المسلمون في تركستان الشرقية: اضطهاد الداخل وتجاهل الخارج
منذ 2009-11-01
ولّد العنف الذي مارسته السلطات الصينية ضد مسلمي تركستان الشرقية عنفاً مضاداً من قبل حركات إسلامية صينية على رأسها الحزب الإسلامي التركستاني ..
في رمضان الماضي فرضت السلطات الصينية قيوداً منذ بداية الشهر على بعض أنواع العبادات الخاصة بالمسلمين، وضمن المحظورات: منع ارتداء النقاب بالنسبة للنساء أو إطالة اللحى بالنسبة للرجال، ومنع المسؤولين المحليين من صوم الشهر الكريم.. ويقوم المسؤولون في مدينة يانغ مالي بزيارة المساجد مرتين في الأسبوع بحثاً عن المخالفين لتلك التعليمات.. وقال الموقع الالكتروني لمدينة يانغ مالي إن هناك 9 قواعد لضمان الحفاظ على الأمن والاستقرار خلال شهر رمضان، منها منع الطلبة والمدرسين من الصوم، ومنع موظفي الحكومة المتقاعدين من دخول المساجد، ومنع الرجال من إطالة اللحى وحظر ارتداء النساء للنقاب الإسلامي، ومنع إغلاق المطاعم في نهار رمضان، حسب ما جاء في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية في 9 رمضان الماضي نقلاً عن (نيويورك تايمز) .
وجاء في الصحيفة أيضاً أن الحكومة الصينية ادعت أن هذه الإجراءات جاءت لمنع "التطرف والإرهاب والانفصال"؛ ولذلك فإنه "يتوجب علينا أن نتصدى لانتشار التعليم الديني الذي يقدمه زعماء دينيون وتلاميذهم" حسب ادعائها. ولم يعرف على الفور كيفية تطبيق التعليمات الجديدة الموجهة إلى عموم أبناء الإقليم المسلم وليس "المتطرفون" فحسب، ولم تذكر المصادر أن السلطات ستتخلى عن تلك القيود بعد شهر رمضان أم لا.. بل إن الحكومة الصينية جعلت صلاة التراويح والقيام سبباً في التطرف حيث تقول: "يجب أن نحذر من وقت لآخر، ونوقف المتدينين من تنظيم صلوات جماعية (مثل التراويح والقيام)، ونمنع التجمعات الجماهيرية الكبيرة التي تضر بالسلم الاجتماعي والاستقرار في رمضان".
وإضافة لما سبق - كما جاء في (الشرق الأوسط) - فقد منعت حكومة الإقليم موظفيها المسلمين من أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم والمعلمين والطلاب من صيام رمضان أو ممارسة أنشطة دينية، كما حذرت من أن "أي شخص يُعرف أنه يجبر أشخاصاً آخرين على الصيام سيواجه بالعقاب"، في إشارة إلى الوعاظ الذين يتحدثون عن وجوب وفضائل فريضة الصوم.
وفي هذا الاتجاه أصدرت السلطات أوامرها إلى المطاعم بأن تفتح أبوابها في نهار رمضان. كما طالبت السلطاتُ الرجال الملتحين بأن يحلقوا لحاهم والنساء اللواتي يرتدين الحجاب بنزعه، وإلا فإن الحكومة ستتخذ التدابير لإجبارهم على ذلك..وفي يونيو 2008م قال موقع (تركستان الشرقية) إن خمسة من مسلمي إقليم تركستان الشرقية قتلوا واعتقل عشرة آخرون على أيدي الشرطة الصينية بزعم التخطيط لحرب ضدها.
وقالت الشرطة الصينية: إن وحدات تابعة لها قتلت خمسة أشخاص في مناطق تركستان الشرقية ذات الغالبية المسلمة، كانوا يخططون ل- "حرب مقدسة" ضد عرقية "الهان" التي تعتبر أكبر المجموعات العرقية الصينية، على حد زعمها.. ونقلت تقارير إعلامية صينية أن القتلى الخمسة كانوا من بين مجموعة تضم 15 شخصاً دهمت الشرطة منازلهم في منطقة (شينجيانغ) (تركستان الشرقية) التي تقطنها غالبية من "الأويغور" وهم من المسلمين السنّة الذين تقول بكين إن بينهم تنظيمات متشددة تحمل السلاح مطالبة باستقلال الإقليم..وفي أبريل 2008م أخذت السلطات الصينية مجموعة من المسلمات التركستانيات في محافظة فيض آباد إلى المدن الصينية مثل تيانجين للعمل فيها.
وقال موقع (تركستان الشرقية) إن السلطات الصينية أرسلت 243 مسلمة تركستانية من محافظة فيض آباد التابعة لمنطقة كاشغر إلى المدن الصينية مثل تيانجين وخيبي، إلا أن الخبر لم يشر إلى نوعية العمل أو اسم المصنع الذي يعملن فيه.
وبدأت السلطات الاحتلال الصيني تطبيق سياسة التهجير المتبادل التي تهدف إلى محو وجود مسلمي تركستان الشرقية في عام 2006م.
منذ ذلك الوقت رغّبت السلطات الصينية الصينيين في داخل الصين للهجرة إلى تركستان الشرقية بكونها منطقة غنية ومناسبة للمعيشة، في حين كثفت السلطات تهجير التركستانيين وعلى رأسهم مسلمات تركستانيات - تتراوح أعمارهن ما بين 18- 25سنة - إلى مدن الصين المختلفة من خلال استخدام وسائل عديدة من بينها التهديد بسجن آبائهن عند رفضهن السفر إلى الصين الداخلية.
وقبل أن ندخل في تفاصيل الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون الصينيون، نستعرض نبذة مختصرة عن تركستان الشرقية ومسلميها.
تركستان الشرقية:
تركستان: مصطلح تاريخي يتكون من مقطعين، (ترك) و(ستان)، ويعني (أرض الترك)، وتنقسم إلى (تركستان الغربية) أو آسيا الوسطى - التي تشغل الثلث الشمالي من قارة آسيا- ويحدها من الشرق جبال (تيان شان)، ومن الغرب (جبال الأورال) و(بحر قزوين)، ومن الشمال سلاسل جبلية قليلة الارتفاع، ومن الجنوب هضبة التبت..أما تركستان الشرقية الخاضعة الآن للصين، وتعرف باسم مقاطعة (شنجيانج)، فيحدها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية هي: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيستان، ومن الجنوب أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق أقاليم التبت الصينية.
وتبلغ مساحة تركستان الشرقية حوالي (1.8) مليون كم2، أي خُمس مساحة الصين، وهي تعد أكبر أقاليم الصين، ويزيد عدد سكانها على (25) مليون نسمة، ويتكون سكانها المسلمون من أجناس مختلفة: كالأجور (وهم يشكلون غالبية الإقليم)، والتركمان، والقازاق، والأوزبك، والتتار، والطاجيك، ونسبة المسلمين فيها حوالي 95%..وقد أطلق الصينيون على تركستان الشرقية اسم (شينجيانغ)، وتعني الوطن الجديد، أو المستعمرة الجديدة، وكانت تتمتع قديمًا بأهمية كبيرة في التجارة العالمية؛ فكان طريق الحرير المشهور يمر بها ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية.
أما حديثًا فهي غنية بموقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية، فتمتلك احتياطياً ضخماً من البترول ينافس احتياطي دول الشرق الأوسط، وتمتلك من الفحم ما يعادل (600) مليون طن، وبها أجود أنوع اليورانيوم في العالم، ويستخرج من ستة مناجم بها؛ لذا فهي عصب اقتصاد الصين وعصب صناعاتها الثقيلة والعسكرية، فالصواريخ الصينية النووية، والصواريخ البالستية عابرة القارات تنتج في تركستان الشرقية. المصدر: (مصطفى عاشور- إسلام أون لاين) .
وجاء في موقع (تركستان الشرقية) أن تركستان الغربية وتركستان الشرقية كانتا جزءاً واحداً اقتسمته السلطات الصينية، وكان هذا التقسيم ثمرة لصراع مرير بين الجانبين دام 200 سنة..فتمتعت بلاد تركستان بالاستقلال الكامل منذ فجر التاريخ حتى ظل الإسلام وبعده وظلت هذه البلاد في أكثر الأحيان متماسكة سياسياً واقتصادياً ومستقلة حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي..والجزء الغربي من تركستان تم احتلاله تدريجيا من قبل حكام الروس في عام 1865م، ومن ثم عرفت تلك المناطق بتركستان الغربية وبعد قيام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية الروسية في عام 1922م قسمت هذه البلاد إلى خمسة جمهوريات تسمى اليوم بالجمهوريات الإسلامية المستقلة في آسيا الوسطى..وأما الجزء الشرقي من تركستان فقد غزاه حكام من سلالة منجو الصينية في عام 1876م، وتبع ذلك الغزو أن أصبحت تلك المناطق تعرف باسم شينجيانغ ومعناه (المستعمرة الجديدة).
الإسلام في تركستان:
يقول مصطفى عاشور - في موقع إسلام أون لاين - كانت بداية وصول الإسلام إلى تركستان- بصفة عامة- في خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) على يد الصحابي الجليل الحكم بن عمرو الغفاري - رضي الله عنه -، لكن مرحلة الفتح الحقيقية كانت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على يد قائده قتيبة بن مسلم الباهلي الذي تمكّن في الفترة من (83- 94ه- = 702- 712م) من السيطرة على ربوع التركستان ونشر الإسلام بين أهلها، ثم دانت لحكم العباسيين بعد سقوط الخلافة الأموية. وفي فترات ضعف الخلافة العباسية قامت في المنطقة مجموعة من الدول المستقلة، ثم حكمها المغول بعد قضاء جنكيز خان على الدولة الخوارزمية سنة (628هـ = 1231م).
وقد عرفت تركستان الشرقية الإسلام عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يحملون بضائعهم ومعها الإسلام إلى أي مكان يسافرون إليه، فقد كان طريق تجارتهم ودعوتهم طريقا واحدًا، فتوثقت العلاقات التجارية بين العرب والصين، وحصل بعض التجار المسلمين على ألقاب صينية رفيعة..وتشجيعًا للتجارة التي كانت مقصورة على المسلمين في عهد أسرة (سونج) في القرن العاشر الميلادي- سنّت هذه الدولة قانونًا يقضي بعقاب كل من يسيء إلى التجار الأجانب؛ لذا وجدت جاليات إسلامية كبيرة في عدد من المدن، بالإضافة إلى وحدود بذور إسلامية في الصين عندما تعرض الإمبراطور الصيني (سو) لثورة وتمرد، فاستغاث بالخليفة العباسي أبي جعفر المنصور سنة (139هـ = 756م) فأرسل إليه أربعة آلاف جندي مسلم، وقد نجح الإمبراطور - بمساعدتهم - في القضاء على التمرد واستعادة عرشه؛ الأمر الذي أدى إلى استبقاء الإمبراطور لهؤلاء الجنود؛ فتزوجوا من صينيات، وأسهموا في غرس بذور الإسلام في البلد البعيد، وتشير بعض السجلات الصينية إلى أن الحكومة الصينية كانت تدفع بعض الأموال السنوية لأسر هؤلاء الجنود.
وتوطد الإسلام في تركستان الشرقية سنة (322هـ = 934م)، بعدما اعتنق الخان ستاتول بوجرا - الذي أصبح حاكمًا للإقليم - الإسلام، وأسلم لإسلامه معظم السكان، وبمرور الوقت أصبح شرق تركستان مركزًا رئيسيًا من مراكز الإسلام في آسيا.. ويوضح الموقع الإسلامي الإلكتروني (تركستان الشرقية) أن معارك دامية قامت بين المسلمين التركستانيين وبين حكام (منجو) الصينيين في عام 1759م؛ راح ضحيتها أكثر من مليون مسلم وفرضوا سيطرتهم على تركستان الشرقية حتى عام 1862م..وقد شهدت تلك الفترة تمرد شعب تركستان الشرقية ضد احتلال المنجو 42 مرة..وفي آخر تمرد عام 1863م نجح الشعب التركي المسلم في طرد حكام منجو من وطنهم وأقاموا دولة مستقلة إسلامية تحت زعامة يعقوب بك الذي استمر حكمه 16 عاما.
ولكن نظراً للتوسع الروسي خلال عهد (التسارست) فقد تخوف البريطانيون من وقوع تركستان الشرقية تحت الاحتلال الروسي فقدموا النصيحة والأموال للحكام (منجو) الصينية باحتلال تركستان الشرقية مرة ثانية..واستطاعت الجيوش الصينية الضخمة بقيادة الجنرال (زوزونغ تانغ) مهاجمتها واحتلاها مرة أخرى في عام 1876م، ومنذ ذلك التاريخ تم تسمية تركستان الشرقية باسم (شينجيانغ Xinjiang)، وفي 18 نوفمبر 1884م ضمت داخل حدود إمبراطورية المنجو وأصبحت تابعة لها.
بعد تولي الحكومة الوطنية الصينية مقاليد السلطة في الصين عام 1911م حاول شعب تركستان الشرقية التحرر من الاحتلال الأجنبي فقاموا بعدة ثورات ونجحوا مرتين: الأولى في عام 1933م، والثانية في عام 1944م، حيث تمكنوا من إقامة دولة مستقلة إسلامية في تركستان الشقية، إلا أن تلك الدويلة المستقلة لم يكتب لها الاستمرار؛ حيث إن موسكو لم تتردد في كلا المرتين في إرسال قواتها البرية والجوية والقيام بكل ما من شأنه القضاء على هذه الجمهورية الفتية؛ لأنهم كانوا يعرفون أن تركستان الشرقية ستكون دعما لشقيقاتها في آسيا الوسطى في كفاحها للتخلص من ربقة الشيوعية. وقتل الصينيون - بعد سقوط الحكومتين - أكثر من مليون مسلم.
حكم الصين الشيوعي:
بدأت الصين الشعبية احتلال تركستان الشرقية بمذابح رهيبة، وفرضت حكمها بعد مجازر دموية فظيعة، وكان ما فعلت في البلاد أن هرعت إلى بعض الترتيبات لإزالة الإسلام من النفوس، ومواصلة حكمها للبلاد..وقسمت البلاد إلى450 كوميون (معسكر العمل الإجباري) ليعمل فيها العمال والفلاحون المسلمون، وهم يشكلون 98% من عدد السكان، وقد مات الكثيرون في هذه المعسكرات، وألغيت الملكية خاصة، وصودرت كل ثروات المسلمين بما في ذلك حلي النساء..وأعلنت حتى الأفراد والأولاد للحكومة وجعل طعام الناس جماعية، ومُنع الطبخ في البيت، وفُرق الأزواج عن بعضهما، وكان يؤذن للمتزوج بلقاء زوجته لعدة دقائق بعد كل أسبوعين، وكانت تُمنح المرأة إجازة لثلاثة أيام فقط للولادة.
وأعلنت الحكومة الشيوعية قطع صلة مسلمي تركستان الشرقية بالإسلام والمسلمين عموما، فمنعت خروج المسلمين إلى خارج البلاد كما منعت دخول أي أجنبي، وفوق ذلك كل من كان له أقارب في الخارج كان يعذب حتى يسجن بتهمة أنه جاسوس وله ارتباط في الخارج..ومنعت الحكومة الشيوعية إقامة الصلاة وصوم رمضان وبقية أركان الإسلام وقراءة الكتب الدينية والقرآن والصحف الأجنبية وكذلك الاستماع إلى إذاعات الدول الأجنبية..ومنعت من استضافة الضيوف ومساعدة أسر المجرمين، ومن الحزن على الأقارب المنفذ فيهم حكم الإعدام ومن احترام الميت، ومن إقامة مراسم للأفراح أو للجنائز..ومنعت أيضا أكل المأكولات باللحم والسمن ولبس الملابس الحريرية أو الصوفية وإخفاء النقود أو الأشياء القيمة في المنازل. وأجبرت الشيوعية على التحدث عن (ماوتسى تونغ) بوصفه (الإله الحي)، وعلى القبول بما تقول به الشيوعية دون قيد أو شرط.
نتيجة لذلك المعاناة - وحتى يدافع المسلمون عن وطنهم ويحافظون على دينهم وهويتهم - قام شعب تركستان الشرقية ب- 45 ثورة تمرد ضد الشيوعيين في الفترة من عام 1949م إلى 1968م، أعدم منهم ما يقارب 360 ألف مسلم من تركستان الشرقية..ونجح أكثر من 200 ألف في الهجرة إلى الدول المجاورة، بينما اعتقل ونقل نحو500 ألف إلى 19 معسكر أشغال شاقة في تركستان الشرقية.
مرحلة ما بعد (ماوتسي تونغ):
بدأت فترة المعاصرة بعد مات ماو في عام 1978م، وبعد أن ثبّت الشيوعيون أقدامهم في تركستان الشرقية, وذلك عبر القضاء على الزعماء الوطنيين والعلماء ورجال الدين ورجال الأعمال بشتى الأساليب وبعد القضاء على التعاليم الإسلامية والحضارة التركية والمعالم الوطنية وبعد فرض سياسته التصيين الثقافي والتعليمي.. وتتميز هذه الفترة بتحول الشيوعيين الصينيين من تطبيق سياسة الإرهاب المكشوف إلى ممارسة سياسة تطبيق الشيوعية العلمية والتصيين الثقافي.
في يوم 5 أبريل 1990م أراد أهل قرية بارين في منطقة آقتو في جنوب كاشغر بناء مسجد جديد في قريتهم، فاعترضت السلطات الشيوعية وبدأ الاشتباك معهم، وقصفت القوات الصينية تلك القرية بالمدافع والطائرات، بل ازدادت وحشيتهم بإلقاء القنابل اليدوية على البيوت لإجبار النساء والأطفال على الخروج منها، فمن لم تقتله القنابل قتله رصاص الجنود الصينيين؛ وذهب ضحيتها أكثر من ستين مسلماً حسب إعلان الحكومة، واعتقل أكثر من ألف شخص ولا يزال بعض من ألقي القبض عليهم في السجون حتى اليوم..وقد ألقى سونغ هان ليانغ - رئيس الحزب الشيوعي للمقاطعة - تقريراً عن هذه الواقعة في اجتماع اللجنة المركزية لأعضاء الحزب الشيوعي لمقاطعة شينجيانغ (تركستان الشرقية) في 21 أبريل1990م، واتخذت السلطات الصينية على إثره عدة إجراءات تم تنفيذها من تاريخ 16 سبتمبر 1990 م وتضمنت ما يلي:
أ - إجبار جميع رجال الدين على حمل تصاريح رسمية تمنح لهم على ضوء تقارير الجهات الأمنية التي تؤكد على مدى تعاونهم ومؤازرتهم لرجال السلطات والحزب الشيوعي، وتجدد لهم سنويا حسب التقارير التي ترفع عنهم.
ب - إرسال الأئمة ورجال الدين إلى معسكرات عمل لإعادة تأهيلهم وفق المبادئ الشيوعية وتعاليم السلطات الصينية في التعامل مع شؤون المسلمين الدينية والاجتماعية.
ج - استدعاء رجال الدين إلى المراكز الأمنية والمباحث وإجبارهم على توقيع تعهدات بالامتناع عن تعليم أبناء المسلمين أحكام دينهم الحنيف في المنازل أو في المساجد.
د - الاكتفاء بالمساجد القائمة بحجة أنها كثيرة وأنها تسبب إزعاجاً لسكان الأحياء الجديدة، وحظر استخدام مكبرات الصوت إلا في المساجد الرئيسية في المدن المفتوحة التي يتردد إليها السياح الأجانب، وأن يكون استخدامها لصلاة العيدين وصلاة الجمعة فقط؛ وقد أدت هذه الإجراءات إلى إيقاف بناء 235 مسجداً وإغلاق خمسين مدرسة في كاشغر فقط.
هـ - منع أفراد الشعب التركستاني من ممارسة حقوقهم الإنسانية المشروعة كالتعليم وحرية التعبير إلى جانب الاعتداء على تلك الحقوق بالمطاردة والاعتقال، بل والقتل كما أثبتت ذلك منظمة العفو الدولية.
وإذا كان التعليم الإسلامي لا يسمح له بالانتشار بين مسلمي تركستان الشرقية، فالتعليم الفني لم يكن أفضل منه:
مجلة النشرة الاقتصادية للشرق الأقصى التي تصدر في هونغ كونغ أشارت - في عددها الصادر بتاريخ 29/1/1985م- إلى أن نسبة المسلمين الأتراك تصل إلى 60 % في تركستان الشرقية، ولكن نسبتهم في المدارس الابتدائية 52.9 %، وفي المدارس الثانوية 31.5 % من إجمالي الطلاب..وأما الجامعات والمعاهد العلمية فلا يدخلها إلا 10 % من طلاب المسلمين خرجي الثانوية العام، ولا يزيد نسبتهم فيها عن 40 %.. ولا يزيد نسبة الأساتذة الجامعيين التركستانيين عن 26 % من جملة أساتذة الجامعات في تركستان الشرقية؛ وهذا ما أدى إلى انخفاض نسبة المتعلمين إلى 94 شخص في كل ألف شخص.
كما أن الكتب التي تدرس في المعاهد العليا والفنية فكلها باللغة الصينية. ويعاني خريجو المدارس المحلية الصعوبات أثناء تأدية اختبارات المعاهد التعليمية؛ لكون أوراق أسئلة الامتحانات باللغة الصينية، حيث يمكنهم فيما بعد دخول المعاهد العليا دون مواجهة مشاكل لغوية. إلا أن الطلاب المسلمين الأتراك بعد تخرجهم من المعاهد العليا يواجهون صعوبات في التحدث بصورة صحيحة بلغتهم الأم؛ فهم يلجؤون إلى استخدام الكلمات الصينية في حديثهم كما أنهم ينسون عاداتهم وتقاليدهم ويسلكون المسلك الصيني مما يسبب ردة فعل سلبية بين أبناء جلدتهم.
وفي مقال نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) - في 6/12/1422- تحت عنوان (تركستان الشرقية ليست صينية وتاريخها شاهد كبير)، ذكر الكاتب التركستاني - توختي أخون أركين - أنه وعقب الاحتلال الصيني المانشوري الأول لبلاد تركستان في عام 1760م أطلق الصينيون عليها اسم بلاد الأويغور خوي جيانغ Hui Chiang. وبعد الاحتلال الصيني المانشوري الثاني لتركستان الشرقية في عام 1877م، صدر مرسوم إمبراطوري بتاريخ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1884م بتحويل تركستان الشرقية إلى مقاطعة، وتسميتها سنكيانغ Sinkiang أو شنجانغ Xinjiang.
وفي صدر الإسلام، مع ظهور بلاد ما وراء النهر، أصبح اسم تركستان يطلق على المناطق التي تقع في شمال شرق ما وراء النهر، وبالأخص على تركستان الشرقية، حيث يعدد ابن كثير من مدن تركستان كاشغر وبلاساغون وختن وطراز، ويصدق على هذا ما يقوله أبو الفداء المتوفى عام 732ه- /1321م: كاشغر قاعدة تركستان، وقد كانت عاصمة دولة قزاخستان أول دولة تركية إسلامية، ومنذ ذلك التاريخ واسم تركستان يستعمله كل باحث وكاتب، وإبان الاحتلال الروسي لجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية الخمس كان المسلمون يطلقون عليها تركستان الغربية، بينما الروس والسوفيات أسموها آسيا الوسطى السوفياتية، والجزء الذي احتلته الصين عرف باسم تركستان الشرقية أو الصينية..ثم استمر استعمال اسم تركستان الشرقية حتى في المؤلفات التي طبعت في تركستان نفسها قبل الحكم الشيوعي في الصين، مثل كتاب (اوترا آسيانينك تاريخي) أي تاريخ آسيا الوسطى، المطبوع في كاشغر في عام 1936م..وكتاب (ولكه ترايخي) أي تاريخ المنطقة المطبوع في أورومجي في عام 1948م، ناهيك عن آلاف الكتب والنشرات والصحف التي أصدرها الثوار التركستانيون منذ الاحتلال الصيني لبلادهم في داخل تركستان وخارجها، بل استعملها الصينيون أنفسهم.. ويضيف المقال: العلاقات التي ربطت تركستان بالصين هي علاقات تجارية من خلال طريق القوافل بين الشرق والغرب، والتي عرفت باسم طريق الحرير بعد أن أطلق عليها المستشرق الألماني ريختوفن Ferdinand von Richthofen هذا الاسم في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
إن الوجود الصيني، أيا كان نوعه، لم يكن مستمرا كما يؤكده الرحالة الصينيون أنفسهم. وتقول الباحثة الصينية وان شوي يو Wan Xueyu - التي تعمل أستاذة مشاركة في معهد دراسات آسيا الوسطى في جامعة شنجانغ-: عندما احتلت عائلة جنغ المالكة هذه البلاد بالقوة العسكرية في عام 1759م، لم يكن هناك أي أثر للاستيطان الصيني في شنجانغ، ما عدا جماعات صغيرة قليلة العدد في الجزء الشمالي من شنجانغ. وهكذا في عام 1944م، قبْل الحكم الشيوعي كانت نسبة الصينيين 5.7% إلى 76% من الأويغور، أكثرهم من أفراد الجيش الصيني والموظفين، إلى جانب عوائلهم وبعض رجال الأعمال والتجارة. وفي عام 1990م أصبح عدد الصينيين 5.695.626 نسمة بنسبة 37.59%، وعدد الأويغور 7.194.765 نسمة أي نسبة 47.49%، وفي الوقت الذي بلغ عدد القوميات الأخرى 11 قومية، ونسبتها 18.3%..في عام 1944م صار عددها 18 قومية ونسبتها 14.92%، ومنها فقط ست قوميات أصيلة، وهي القازاق والقيرغيز والتاجيك والاوزبك والتتار والمغول.
وفي رده على السفير الصيني في السعودية - الذي قال في مقال صحفي-: "وفي سنة 60 ق.م. أسست الحكومة المركزية لأسرة الهان الغربية ولاية المنطقة الغربية الإدارية في شنجانغ وبنت المدينة وأرسلت جيشا إليها وتم جمع الضرائب فيها وذلك دليل على كون منطقة شنجانغ جزءاً من أراضي الصين رسميا"- قال توختي: لم يشأ السفير أن يتحدث حول استمرار ذلك الاحتلال، بدون انقطاع، منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وكم مرة احتلت قوات الأتراك لويانغ وشيان عاصمة الصين القديمة وفرضت الضرائب على الصين؟ هنا، لا بد من الإشارة إلى معاهدة هو تشين Ho-ch"in، التي جرى توقيعها بين ملك الهون قوغوشار، الذي يعرف في المصادر الصينية باسم هومان يه شان يو Hu Han-yeh Shan-yu، مع الإمبراطور الصيني هسوان تي Hsuan-ti في شيان Xi"an عاصمة الصين في عام 51 ق.م، أي بعد تسعة أعوام من التاريخ الذي يشير إليه السفير.
وتتضمن هذه المعاهدة التي تجددت مرات عدة على الشروط التالية:
- جزية سنوية تشمل الحرير والحبوب والخمر إلى ملك الهون.
- يقدم البلاط الصيني أميرة صينية إلى ملك الهون.
- دولتا الهان والهون متكافئتان ولكل منهما السيادة في مملكتهما.
- كلتا الدولتين تقبلان أن يكون سور الصين الحد الفاصل بينهما.
والواقع أن مثل هذا الاستدلال التاريخي في الادعاء بأرض الغير، ليس غريبا على حكومة الصين الشعبية- والكلام لا زال لتوخي- إذ لا يزال التاريخ يذكر بجلاء، عندما عممت حكومة الصين الشعبية على طلاب المدارس الثانوية كتاباً مدرسياً بعنوان: (مختصر تاريخ الصين الحديث Chung-kuo chin-tai chien shih) في عام 1956م، ادعت فيه السيادة على الممالك التي استقلت في ما بين 1840 - 1919م، منها نيبال وبوتان وماليزيا وتايلاند وبورما وكوريا وانام، وكذلك أراضي أسام وسيكيم وسخالين، وارخبيل سولو وريو كيو، وأجزاء من قزاقستان وقيرغيزستان وتاجيكستان، ولا يزال خلافها مع الهند على الأراضي التي احتلتها مستمرا إلى يومنا هذا.
وحول الانتهاكات الصينية ضد المسلمين في تركستان الشرقية أشار مقال الكاتب إلى تقرير منظمة (العفو الدولية) عن انتهاك حقوق الإنسان في شنجيانغ (تركستان الشرقية) رقم 99/18/17 ASA، وتقرير اللجنة الدولية بمراقبة حقوق الإنسان Human Right Watch الصادر في 7 ديسمبر عام 2000م. وكذلك إلى ما نشرته جريدة (ساوث جاينا مورنينغ بوست South China Morning Post) التي تصدر في هونغ كونغ التي نشرت تقريرا بتاريخ 3/2/1998 أكد أن دخل الفرد الأويغوري المسلم هو أقل الدخول في الصين، إذ يبلغ سنويا 1136 يوان، أي ما يعادل 150 دولارا أمريكيا، بينما دخل الفرد في المدن الصينية يبلغ أكثر من 4000 يوان..ودخل الفرد الصيني في الأرياف 1926 يوان، وأن متوسط عمر الأويغوري المسلم هو الأقل في الصين وهو 63 عاماً، بينما متوسط عمر الفرد الصيني في الصين 70 عاماً..إضافة إلى ذلك فقد اعتقلت 17000 شخص في شنجيانغ ووضعتهم في وحدات العمل الإجباري ومزارع الجيش، هذا عدا المعتقلين في السجون كما هدمت السلطات الشيوعية 133 مسجدا، وأغلقت 105 مدارس، ولا يزال مسلسل هدم المساجد مستمرا إلى الآن.
انتهاكات أخرى:
يبدو أن معاناة الشعب التركستاني من الاحتلال الصيني الشيوعي تزيد أكثر فأكثر وجرحه لا يندمل منذ حوالي ستة عقود مضت..فبعد أن احتلت الصين الشيوعية تركستان الشرقية وأغلقت الحدود والمنافذ الخارجية نهائيا للخارج والداخل وأصبح الشعب التركستاني في سجن كبير بما يسمى شنجيانغ المتمتع بالحكم الذاتي لقومية أويغور، والذين كانوا خارج البلاد لم يستطيعوا العودة، كانت هناك مأساة الأسر التي وصلت - أو كانت في طريقها إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج - اضطرت في البقاء في أماكن وجودها تنتظر فرصة العودة إلى بلادها منذ ستين عاما، ولكن طال الانتظار، حتى أن بعض التركستانيين أقاموا في بلاد الحرمين منذ أكثر من ستين سنة آملين العودة إلى بلادهم في يوم من الأيام. حسب موقع (مركز تركستان الشرقية للأخبار) .
وبعد هلاك الزعيم الصيني الشيوعي ماو تسي تونغ سنة 1976م حدثت تغيرات طفيفة في السياسة الخارجية للصين وبدأ ما يسمى الانفتاح من الداخل إلى الخارج دون العكس، وسمح لبعض التركستانيين الذين لهم أقارب في الخارج السفر خارج الصين لزيارة الأقارب..وأول ما فكر المسلمون في السفر إلى الخارج كان سفر الحج إلى الأراضي المقدسة، والبداية كانت مع موسم حج عام1983م وكان عدد الحجاج التركستانيين لا يتجاوز 15 شخصا، وزاد العدد في السنة التالية إلى 300 حاجا تقريبا.
ومنذ ذلك الحين كان يتراوح عدد الحجاج التركستانيين كل عام بين 500- 1000 حاج. وكانت معاناتهم قاسية جدا حيث كانوا يلجأون إلى عدة دول للحصول على تأشيرة العمرة أو الحج من دول مجاورة لتركستان الشرقية مثل باكستان، وقازاقستان،وتركيا، والإمارات العربية المتحدة؛ لأن الصين كانت ولا تزال تمنع من يحمل تأشيرة عمرة أو الحج مغادرة البلاد..وإحساسا بمعاناة مسلمي تركستان الشرقية والصين أمرت حكومة خادم الحرمين الشريفين منذ عام 1425- ه- ولثلاثة أعوام متتالية بالسماح لهم بالقدوم إلى المملكة العربية السعودية في رمضان والجلوس بجوار الحرمين الشريفين إلى أن يحين موسم الحج؛ وكان هذه المكرمة سببا في تخفيف معاناتهم القاسية والطويلة ولو نسبيا وكذلك زاد عدد الحجاج من ألفي شخص إلى خمسة آلاف.
مع اقتراب موسم رمضان والحج لعام 1428هـ نشطت السلطات الصينية في تركستان الشرقية لمنع تدفق مسلمي تركستان والصين إلى باكستان وتكرار ما حدث في رمضان الذي قبله..وفي العاصمة التركستانية أورومتشي أقيمت ندوة خاصة برئاسة الحاكم الصيني العام وسكرتير الحزب الشيوعي في تركستان (وانغ لي تشوان) بتاريخ 18/6/2007م - حسب مصادر موقع إذاعة آسيا الحرة - لاتخاذ إجراءات صارمة لمنع وصول مسلمي تركستان الشرقية في الأراضي المقدسة.
وقال وانغ - خلال حديثه في الندوة -: "علينا اتخاذ إجراءات صارمة لمنع وصول مسلمي تركستان الشرقية إلى المملكة العربية السعودية باستثناء حجاج البعثة الصينية في موسم الحج، والطريقة المثلى لمنعهم سحب جوازات السفر من قومية الأويغور بدون استثناء"..منذ تلك اللحظة نفذت السلطات المحلية - بتهديد السلاح - أوامر الحاكم الصيني وانغ لي تشوان بحذافيرها وبدأت حملة سحب جوازات سفر التركستانيين على مستوى المنطقة كلها، وأي شخص يرفض تسليم جواز سفره تفرض عليه غرامة مالية كبيرة وقدرها 50000 يوان (ما يعادل 6500$) باسم التأمين، وإذا ثبت أن أحداً ذهب إلى العمرة أو الحج يحرم من المبلغ المذكور.. علما بأن الدخل السنوي للأسرة الواحدة في القرى لا يتجاوز مائتي دولار أمريكي..بينما الصينيون الذين يعيشون في تركستان الشرقية من قومية الهان يستطيعون الحصول على جواز سفر خلال أيام ويستطيعون أن يسافروا إلى أي دولة شاؤوا.
اضطهاد خاص بالمسلمين:
وإذا كانت الأقليات في الصين تعاني من الحرمان والظلم بصفة عامة إلا أن المسلمين هم أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد..يقول الكاتب الإيراني - في مقال له نشرته (الشرق الأوسط) السعودية في 10 جمادى الأولى 1429-: "إن سكان التيبت ليسوا المواطنين الوحيدين الذين لا تحترم بكين حريتهم. ففي الواقع، إن سكان التيبت أفضل حالا من بعض المواطنين الآخرين الذين يعيشون تحت الحكم الشيوعي، فهم وحدهم المعفيون من قانون (طفل واحد للعائلة الواحدة).. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ارتفع عدد سكان التيبت أسرع من متوسط الارتفاع في الصين بمقدار أربعة أمثال.. كما سمح للتيبتيين بالاحتفاظ بمعظم مدارسهم والعديد من الأديرة، حيث يقوم العديد من الرهبان بما يفترض أن يقوم به أي راهب.. وحتى الاضطرابات الأخيرة التي صاحبت الشعلة الأولمبية، كانت التيبت مفتوحة الأبواب أمام الزوار الأجانب والصحافيين، وهي ميزة لا تمنحها الصين لكل المناطق فيها".
وأضاف - في مقاله (الأويغور المسلمون.. الشعب المنسي في الصين) - قائلاً: "وقد تحدث ريتشارد غير - وهو نجم هوليوود اعتنق البوذية- عن (الشعب المنسي) في التيبت. ولكن، في حقيقة الأمر، فإن الأويغور هم (الشعب المنسي) في الصين. وقد دمج موطن الأويغور (تركستان الشرقية) في جمهورية الصين الشعبية عام 1949م، وتغطي تركستان الشرقية مساحة تساوي مساحة إيران تقريبا. (حوالي 1.6 مليون كيلومتر). وعلى مدى خمسة عقود، كانت هذه المنطقة مسرحا لأكبر عملية استعمار في العالم، وما زال هناك سبعة ملايين من الهان، وهي أكبر مجموعة عرقية في الصين.
وقد غيرت حركة الاستعمار الكبيرة الوضع الديموغرافي في المنطقة بطريقتين:
أولا: الأويغور وهم أتراك لا علاقة لهم بالصين. في عام 1949م كانوا يمثلون 92 في المائة من السكان، وقد أصبحوا في الوقت الحالي 46 في المائة. وهذا ليس شيئا مفاجئا..وكان عدد الأويغور عام 1949م يصل إلى نحو 18 مليون نسمة وفي الوقت الحالي يبلغ عددهم أكثر من 8 ملايين. ومن ثمّ، فإن الخسارة الديموغرافية للأويغور في موطنهم أكبر من الأرقام المناظرة الخاصة بالشيشانيين في روسيا.
ثانيا: للمرة الأولى منذ القرن الثامن الميلادي، لم تعد تركستان الشرقية أرضا إسلامية حصراً. فقد خضع المسلمون الذين يعيشون في هذه المنطقة إلى قاعدة (طفل واحد) وتم إحضار الكثير من الهان تحت زعم أن السكان الأصليين لا يستطيعون توفير العدد اللازم من العمال..وفي نفس الوقت، نقل الكثير من المسلمين الذين يعيشون في شينجيانغ، لاسيما النساء اللواتي يمكن أن ينجبن أطفالا، إلى الكثير من المناطق الأخرى في الصين بزعم التغلب على مشكلة نقص العمالة هناك!، وفي الوقت الحالي، يمثل المسلمون 54 في المائة من مجمل السكان. ولا تعد شينجيانغ هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تم تقليل عدد المسلمين فيها مقابل سكان آخرين".
كما أشار الكاتب أيضاً إلى تقارير حقوق الإنسان الدولية من بينها "وثيقة مهمة ترجع إلى منظمة العفو الدولية نشرت عام 1999م، ووثيقة أخرى أعدها عدد من أعضاء البرلمان الكنديين عام 1998م. وتتهم الوثيقة الكندية بكين بتلفيق تهم بالإرهاب للأويغور، ومن بين التهم تفجير حافلة في أورومتشي عاصمة الإقليم. كما اتهمت الوثيقة بكين باستخدام ألفاظ شائعة دولياً مثل "الأصوليين الإسلاميين" و"الإرهابيين الإسلاميين" و"الانفصاليين" لوصف الأويغور، الذين لا يطيقون الاضطهاد الصيني ويقومون ببعض المقاومة ضد الأعمال غير الآدمية وانتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الشعب الصيني"..وأكدت الوثيقة أن الأويغور لم يكونوا يوما مسؤولين عن أي من الأعمال "الإرهابية"، بل على العكس هم من يعيشون تحت سيطرة إرهابية خطيرة من قبل الحكومة الصينية.
وختم الكاتب كلامه بالقول: "وأقل ما يمكن أن يقوله المرء هو أن مطالبة الأويغور بحقوق قومية تستحق اهتماماً مثل الذي حظيت به مطالب الدالاي لاما الخاصة بمساحة أكبر من الحكم الذاتي في التيبت. وحقيقة أن الأويغور وإخوتهم الكازاخ والطاجيك والقيرغيز والتتار والمغول الذين يعيشون في تركستان الشرقية ويدينون بالإسلام، لا تعني أنهم يجب أن يصنفوا ك- "إرهابيين إسلاميين" وأن نتركهم يواجهون الاضطهاد من دون قدرة على الدفاع"..لكن كلام الكاتب هذا لا يلقى آذاناً صاغية من المجتمع الدولي، ففي الوقت الذي يستقبل زعماء عالميون الدالاي لاما في قصورهم - كما فعل ذلك مؤخراً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي- نجد لهؤلاء الزعماء آذناً صماء وأعيناً عمياً تجاه ما يحصل للمسلمين في تركستان الشرقية، بل الذي يحدث هو العكس.
أمريكا والصين.. تخاصم في كل شيء إلا في المسلمين:
في لقاء جمع بين الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين - يوم الجمعة 25/10/2002م - اعترف بوش بمخاوف بكين من ما أسماه "التطرف" في الصين، وذلك بإضافة الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية إلى القائمة الأمريكية للتنظيمات "الإرهابية".. وفي 20/4/2009م أعلنت الحكومة الأمريكية أنها جمدت أصول عبد الحق زعيم حزب تركستان الشرقية الإسلامي بزعم الارتباط بتنظيم القاعدة والسعي إلى تنفيذ هجمات "إرهابية" في الصين.. واتخذت وزارة الخزانة الأمريكية إجراءات ضد الذي يؤيد إقامة دولة مستقلة في جزء من الصين..وقال وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والتمويل - ستيوارت ليفي - إن "عبد الحق يقود جماعة إرهابية سعت إلى زرع العنف وشق الوحدة الوطنية في الألعاب الأولمبية عام 2008م في الصين. واليوم إننا نقف سوياً مع العالم في إدانة هذا الإرهابي الوحشي وعزله عن النظام المالي العالمي".
وجاء هذا الإجراء بعد قرار اللجنة (1267) التابعة لمجلس الأمن الدولي بإدراج اسم عبد الحق على قائمتها للأشخاص المرتبطين بأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وحركة طالبان ويخضعون لعقوبات من جانب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة..ويعتقد أن عبد الحق قد تولى قيادة الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية بعد مقتل حسن معصوم القائد السابق للحزب والمعروف باسم أبي محمد التركستاني على يد الاستخبارات الباكستانية في أكتوبر 2003م.
بدورها سارعت الصين إلى الترحيب بهذا القرار في 26/4/2009م، وتعهدت - على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها - بتعزيز الجهود الدولية لمكافحة "الإرهاب" على أساس التعاون المتكافئ والمنفعة المشتركة. معتبرة: "أن محاربة الحزب الإسلامي في تركستان الشرقية يعد جزءاً مهماً في الحرب على الإرهاب" وفق وصفها.
وأضافت: "إن المدعو عبد الحق هو الزعيم الرئيسي وأحد القيادات المهمة في الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية وقد أدرج في قائمة الأمم المتحدة للشخصيات الإرهابية بعد أن ثبت تورطه في تجنيد إرهابيين والتخطيط لأنشطة إرهابية أدت إلى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين الصينيين وتدمير ممتلكات عامة خاصة قبيل وخلال دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها الصين في أغسطس الماضي".
ويعلق مراسل قناة الجزيرة في الصين عزت شحرور على ذلك بقوله: إن الصين نجحت - في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانخراطها في الحرب على ما يسمى "بالإرهاب" - بإدراج حركة تحرير تركستان الشرقية ومنظمات أخرى على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات "الإرهابية"؛ الأمر الذي جنبها انتقادات منظمات حقوقية دولية، ومنحها فرصة لتشديد قبضتها على إقليم شنجيانغ ذي الأغلبية الأويغورية المسلمة، حيث تطالب بعض منظماته بالاستقلال والانفصال عن الصين لإعادة تأسيس جمهورية تركستان الشرقية.
ونقل عن محللين صينيين مهتمين بشئون الجماعات الإسلامية أن الحزب الإسلامي ما هو إلا اسم آخر يستخدم كغطاء لحركة تحرير تركستان الشرقية بعد إدراج الأخيرة على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية..هذا وفي ظل خشية دول كثيرة من استفزاز الصين يبقى أكثر من أحد عشر من مواطني الإقليم المفرج عنهم من معتقل غوانتانامو ينتظرون مصيراً مجهولاً حيث تصر السلطات الصينية على ضرورة عودتهم إلى الصين لمحاكمتهم بتهمة "الإرهاب"..وقبل ذلك وفي أكتوبر 2001م ذكرت مصادر دبلوماسية صينية مطلعة أن بكين قد توافق على تأسيس مكتب لإدارة التحقيقات الفيدرالية الأمريكي (إف بي آي) بالعاصمة بكين؛ بهدف تشديد الخناق على سكانها المسلمين.
ونقل موقع (الإسلام أون لاين) عن هذه المصادر - التي لم تذكر اسمها - في21/10/2001 "أن واشنطن وبكين قد يتوصلان في نهاية اجتماعات منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبك) لاتفاق مبدئي بتأسيس مكتب ل- (إف بي آي) ببكين، ولكن الأخيرة ما تزال تراوغ أمريكا؛ رغبة منها في الحصول على بعض الامتيازات والتنازلات من واشنطن، لاسيما فيما يتعلق بالأقلية المسلمة الموجودة في إقليم شينجيانج"..وأشارت المصادر إلى أن هذا المكتب يهدف بالأساس لتسهيل التعاون بين البلدين في الحملة الأمريكية ضد ما تسميه ب- - (الإرهاب)، لاسيما بعد ظهور التأييد الصيني الحذر لما تقوم به واشنطن..ولذلك فإن الصين قد تطلب من (إف بي آي) - بحسب المصادر- التعاون مع الاستخبارات الصينية؛ لملاحقة مصادر تمويل من تتهمهم "بالإرهاب" وتدبير تفجيرات في أقاليمها، كما قد تطالب بكين الحكومة الأمريكية بعدم إطلاق العنان للمعارضين الآخرين من الديمقراطيين غير المسلمين من أن يجعلوا من الولايات المتحدة منطلقا لهم لمهاجمة حكومة بكين.
عنف يولد عنفاً:
لقد ولد العنف الذي مارسته السلطات الصينية ضد مسلمي تركستان الشرقية عنفاً مضاداً من قبل حركات إسلامية صينية على رأسها الحزب الإسلامي التركستاني الذي أعلن مؤخراً عن انتهاجه ل- "الجهاد" ضد الحكومة الصينية، ويعد ذلك تحول نوعي في علاقة الحزب بالحكومة، كما يعد الأول من لخطاب "القاعدة" في هذا الجزء من آسيا، حسب ما ذكرته مجلة (الوطن العربي) اللبنانية في عددها (1678) الصادر بتاريخ 29/4/2009م..كما أن العنف والعنف المضاد يمثل بيئة خصبة لأطراف دولية تستغلها لمصالحها الخاصة، وقد وجدنا ذلك في قرارات الولايات المتحدة السابق ذكرها.
ومن المستفيدين أيضاً إسرائيل التي لم تدع الفرصة تفوتها في استغلال الصراع القائم بين الحكومة الصينية ومسلمي تركستان، فقد سعت إلى تأسيس علاقات مميزة مع الصين للمرة الأولى بذريعة محاربة (الإرهاب الإسلامي)، ويأتي هذا التوجه ضمن النشاط الإسرائيلي في آسيا الذي شمل الهند وروسيا أيضاً مستخدمة نفس الذرائع.
أين العالم الإسلامي من ذلك؟
في الوقت الذي يعاني مسلمو تركستان الشرقية من مأساة وأزمة انشغل العالم الإسلامي بملهاته المغلفة بالغفلة، وهمومه المشمولة بالقسوة..فالعالم الإسلامي - للأسف - في مثل هذه القضايا غير موجود، فعلى مستوى الحكومات هناك تجاهل تام تجاه ما يحصل للمسلمين في الصين..
موقع شعب الإيغور
المصدر: أحمد الشجاع - موقع عودة ودعوة
- التصنيف: