أداحس وغبراء بعد إذ أكرمنا الله بالإسلام

منذ 2009-11-30

عن مباراة مصر والجزائر.. لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى تراق على جوانبه الدم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد سجل تاريخ العرب قبل الإسلام أيامًا للعرب؛ دارت فيها حروب ضروس بين قبائلهم، كان بعضها بسبب: الصراع على موارد الرزق المحدودة في جزيرة العرب، وأضرم نيرانها حمية الجاهلية، وعُبِيّة الجاهلية، وفخر الجاهلية بالأحساب والأنساب.

وصاغ كبراء القوم الذين أسكرهم حب الفخر، وأعماهم حب المال القواعد التي تضمن لهم وقودًا دائمًا من الجنود والأتباع كلما بدا لأحدهم أن يغتصب مُلكًا، أو أن يثأر من خصم؛ فقرروا قاعدة: "الولاء للقبيلة، والانتصار لها في باطلها قبل حقها"، وقالوا في ذلك قولتهم الشهيرة: "انصر أخاك ظالمًا، أو مظلومًا"؛ تلك الكلمة الجاهلية التي سطعت عليها شمس الإسلام فيما بعد، فأبقت حروفها، ولكنها قوَّمت معناها كما يأتيك بعد قليل -إن شاء الله-.


وتأتي على رأس قائمة حروب العرب الشهيرة حربا: "داحس والغبراء"، و"البسوس":

وأما "داحس والغبراء": فحصان وفرس تراهن أصحابهما على سباق لهما، فأمر صاحب الغبراء أتباعه بإعاقة "داحس" حتى فازت "الغبراء" بالسباق، ولأن العرب شعارهم:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى تراق على جوانبه الدم


ولأن وقود المعركة من الأتباع المنقادين المستسلمين تحت رهن إشارة شيخ القبيلة؛ فإن"زهير بن قيس" صاحب "داحس"؛ لم يكتفِ بإلغاء نتيجة المباراة، واحتساب نتيجتها، لصالح فرسه داحس، حتى أشعل حربًا استمرت رحاها أربعين سنة!، وهي نفس المدة التي اشتعلت فيها حرب البسوس. و"البسوس": امرأة حرَّضت ابن أختها على أن يخوض حربًا ضد ابن عمه؛ طلبًا لثأر ناقة لها قتلها الأخير في لحظة غضب عارض من التي تعترى أمثال هؤلاء الطواغيت.

وهكذا كانت حروب العرب نزاعاً على: ملك، أو سيادة، أو زعامة، أو سباق خيل؛ ينتهي إلى حروب تضرم، ولا يُعلم متى تنتهي.


وكان هذا هو نفس حال "الأوس والخزرج" في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن ينورها الله بالإسلام؛ فكانت الحروب تدور بينهما لهذه الأسباب، بل أتفه منها، ولذلك امتن الله عليهم بقوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [سورة آل عمران: 103]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأنصار في معرض امتنانه عليهم: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ: أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي... » [متفق عليه].


جاء الإسلام فأزال الجاهلية، ومبادأها الظالمة، حتى إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ممتحنـًا، ومصوبًا تصورات أصحابه -رضي الله عنهم-: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» [رواه البخاري]، فإذا بالنفوس التي اقـُتلِعت منها الجاهلية اقتلاعًا تسأل مستوضحة؛ لما تقرر لديهم أن الإسلام: لا يقر تلك القاعدة الجاهلية التي خلعوها بعد إذ أكرمهم الله بالإسلام؛ فقيل: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ"؟! فقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ» [رواه البخاري].


وعلى هذه الوتيرة سارت تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وساق الله إليه من كل أجناس الأرض أصحابًا؛ ليشارك في أمجاد الرعيل الأول من الدعوة الإسلامية رجال من كل الأجناس، بجوار العرب الذين كانوا هم الكثرة الغالبة في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


كان "بلال الحبشي"، و"صهيب الرومي"، و "سلمان الفارسي"، و"عبد الله بن سلام" الإسرائيلي -أي من بني إسرائيل-، ولكل منهم فضائله المعروفة المشهورة، ولكن الشيطان لم ييأس، وما زال ببعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تنادوا فيما بينهم بدعوى الجاهلية؛ فخرج إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- مسرعًا قائلاً: «مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ؟!»، قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ". فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» [رواه مسلم]، فكان درسًا بليغـًا للصحب الكرام؛ حتى لا يستجرينهم الشيطان ثانية.


ثم كانت حجة الوداع التي ودَّع فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، بل ودع الدنيا بأسرها؛ فكان من أهم ما تضمنته: إبطال أخلاق وعادات الجاهلية؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: «أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ»، واستشهد ذلك الجمع الذي لم تعرف العرب مثله من قبل على هذه الوصايا قائلاً: «اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» (رواه مسلم).


وعلى هذه الطريقة المستقيمة، وهذا المنهج القويم؛ سار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتحون البلاد، ويفتحون قبلها قلوب العباد، حتى انضمت إلى قافلة الإيمان أمم كانت في همجيتها قبل الإسلام كالعرب، بل أشد، منهم: "البربر"؛ الذين جاءهم الإسلام، وهم في بيئة صحراوية؛ جعلت من طباعهم صورة أشد من طباع العرب قبل الإسلام!.

فهذب الإسلام أخلاقهم، حتى أقاموا مع إخوانهم من المسلمين العرب الحضارة الأشهر في التاريخ الوسيط: "الأندلس"... ! وما أدراك ما "الأندلس"؟!! حيث ازدهر فيها كل شيء دينـًا ودنيا، وكانت علومهم الدنيوية هي التي سار "الغرب" على خطاها؛ لكي يخرج من "عصوره الوسطى المظلمة" إلى "عصر النهضة"!!


وقد كانت أول أسباب التفكك والانهيار في الأندلس أن وجد الشيطان طريقه؛ لإثارة النعرات بين المسلمين العرب، والمسلمين البربر، وتداعى القبائل العربية، والقبائل البربرية بـ"دعوى الجاهلية" في كل صراع يدور بين قبيلة عربية، وأخرى بربرية؛ حتى صار التناصر بين القوميتين يعبر مضيق: "جبل طارق"؛ ليتم التناصر بين القبائل العربية، والبربرية على جانبي المضيق.

وفي إحدى هذه المرات هاجرت قبائل بربرية بأكملها منسحبة من مواقع استراتيجية في الأندلس إلى الشمال الإفريقي؛ للتدخل في صراع نشأ هناك بين العرب والبربر؛ فكانت النتيجة أن استولى عليها الفرنجة، وجعلوا منها قاعدة؛ لمهاجمة أراضي المسلمين!!

فهل كانت سائر الإمارات الأندلسية جاهزة للتصدي لذلك العدوان؟

الإجابة معلومة... فإن المجتمع الذي أفرز تلك العصبية بين العرب والبربر؛ لابد وأنه قد ضعف فيه الولاء لدين الله إلى الدرجة التي تسمح للأعداء بإثارة الفتن بين أبناء العمومة، بل بين أبناء الأسرة الواحدة، بل ربما استطاعوا أن يظفروا في هذا المجتمع على من عنده استعداد لكي يحارب أباه من أجل الملك؛ هذا بالإضافة إلى انتشار الفسق والفجور، بل والصراع عليه أحيانـًا؛ حتى حدثت صراعات حول الفوز بجارية، أو مغنية.


وهكذا ضاعت الأندلس... وبسقوط الأندلس بدأ عصر النهضة في أوروبا، ولكن أوروبا التي أقامت نهضتها على أنقاض حضارة المسلمين في الأندلس؛ وجدت دولة إسلامية فتية تهددها في الناحية المقابلة من أوروبا، هي الدولة العثمانية التي استعمل معها الغرب نفس الأسلحة التي أُسْقِطت بها الأندلس، وعلى رأس هذه الأسلحة سلاحان: إثارة النعرات القومية، ونشر الفسق والفجور.

وحاول الغرب تمرير هذه الأفكار إلى بلاد المسلمين، حتى إذا ضعفت جاء بجيوشه العسكرية؛ ليسرع من خطى تنفيذ هذه المخططات إلى أن انتهى الأمر؛ بانسحاب جيوش الاحتلال بعد ما أنجزت كل، أو معظم ما أرادت تحقيقه؛ فانصرفت، وقد تركت بلاد المسلمين ممزقة إلى قوميات: عربية، وتركية، وكردية، وبربرية، وزنجية؛ فضلاً عن القومية الفارسية التي سبق معظم أبنائها من المسلمين إلى الانفصال بمذهب شاذ؛ يغذي هذا الانفصال هو مذهب الشيعة.


وما زال الغرب وأذنابه في بلاد المسلمين يغذون تلك النعرات الجاهلية، حتى إن الاحتلال الفرنسي للمغرب العربي استطاع القضاء على اللغة العربية هناك، واستطاع نشر الجهل الشديد بالإسلام، وكأنهم يشعرون بالخوف من أن يظل سكان المغرب العربي على انتمائهم الأصيل للإسلام حتى لا يعودوا إليهم فاتحين مرة أخرى.

ومع أن الهدف الرئيسي للاحتلال كان التمزيق التام لبلاد المسلمين إلى أكبر عدد ممكن من القوميات إلا أنهم اضطروا للترويج للقومية العربية؛ لتمثل المُسَكِّن الذي يعطى للناس حتى يتنازلوا عن الخلافة الإسلامية طواعية.

ثم حاربوا هم أنفسهم القومية العربية؛ بيد أن الدعوة القومية رغم مخالفتها للإسلام، وتضحيتها عن طواعية بالكم الأكبر من المسلمين بإضعاف الروابط معهم إلا أن دعوة القومية العربية ساهمت في إعادة نشر اللغة العربية في المغرب العربي؛ مما مهد لانتشار الإسلام فيها، ولكن الغرب لم ييأس من تحقيق أهدافه، بل يديرون الأمور بطريقة الحرب المفتوحة، وبطريقة الكر والفر، ومن هنا فإنهم لا يتورعون عن استعمال أي وسيلة من وسائلهم.

إن "فرنسا" لم تفقد الأمل بعد في أن تظل بلاد المغرب العربي متكلمة بالفرنسية، تابعة للفكر والثقافة الفرنسيين، ومن أجل ذلك تفتح فرنسا ذراعيها للمهاجرين من بلاد المغرب العربي؛ بهدف نشر النمط الغربي بينهم، ولذلك تجدهم في غاية الشراسة في مواجهة المهاجرين المتمسكين بإسلامهم؛ لا سيما حجاب النساء، فضلاً عن النقاب؛ لكونه علامة ظاهرة ملموسة لتمسك هؤلاء المهاجرين بدينهم، وعدم انصهارهم في الثقافة الفرنسية.


ومحاولة صبغ العالم الإسلامي بالصبغة الغربية، لا يستثنى منها بلد، حتى السعودية ذاتها مع خصوصية تجربتها إلا أن أذنابهم نجحوا مؤخرًا في إنشاء: "أول جامعة سعودية مختلطة"، وما زالت أمضى الأسلحة في ذلك: إثارة الفرقة، والنعرات الجاهلية، وإشاعة روح الهزل، واللهو بين الأمم، ولكل من هذين السلاحين أثره الناجع في المعركة، ولكنهما يكونان أمضى إذا اجتمعا، وهما يجتمعان في مسابقات الكرة، لا سيما مع وجود عدد من المهووسين بها في كل شعب من شعوب المسلمين، ولكن المصيبة ازدادت خطرًا واستفحالاً عندما تعددت "القنوات الفضائية"، وجلس في مقعد الموجهين أمثال هؤلاء المتهورين الذين لا يهمهم إلا إرضاء جمهورهم على حد تعبيرهم الدائم... !!


وبلغ الأمر مداه في مباريات: "مصر" و"الجزائر" في تصفيات كأس العالم: "2010"، والتي تجاوز فيها "التعصب الأعمى" نطاق الملاعب؛ ليشمل البيوت، والشركات؛ وليتحول الأمر إلى "حرب أهلية حقيقة"!!، حيث لعب الفريقان ثلاث مباريات كانت الأولى في "الجزائر"، وشهدت بعض المضايقات للفريق المصري، ثم جاء الإعلام الرياضي؛ لكي يحرِّض الجمهور المصري على الرد بالمثل، وشهد الانترنت والفضائيات مساجلات، وشتائم بين الشباب المسكين في كل من البلدين؛ مع محاولات ظاهرية من: "الإعلاميين"، و"المسؤولين الرياضيين" في كل من البلدين لتهدئة الأوضاع، ولكنها محاولات افتقدت الإخلاص، والرغبة الحقيقة؛ فكل منهم يريد تهدئة لا تؤثر على هياج الجمهور، وتوافده وتشجعيه حتى آخر لحظة، وكل منهم يريد تهدئة ظاهرية مع استمرار الضغط النفسي، والعصبي على الخصم.

ولما انتهت مباراة القاهرة بفوز "الفريق المصري" بفوز عَادَل به "الفريق الجزائري"؛ انطلقت شرارة غضب من الجمهور الأهوج في الجزائر؛ أججتها صحف "حمراء"، لا "صفراء"، صحف لا يهمها الدماء التي تسال طالما أن مبيعاتها سوف تزداد؛ فادعت وجود قتلى بين المشجعين الجزائريين بالقاهرة! فرد الجمهور الجزائري بالاعتداء على كل مصري يجدونه أمامهم، ولو عرف هؤلاء أبسط قواعد الشرع؛ لتثبتوا، ولو تثبتوا لوجب عليهم أن يطالبوا بالقصاص من الفاعل، لا من كل من ينتمي لنفس بلده! ولكنهم الغوغاء الذين تستعبدهم الآلة الإعلامية الكروية في كل بلاد المسلمين، ومع هذه النيران المشتعلة لم تهدأ القنوات الفضائية المصرية عن "التجييش" للحرب الفاصلة، والتي اختير لها البلد المسكين "السودان"، وكأن المصريين الذين كانوا يصلون إلى مطار القاهرة تباعًا، تاركين عملهم وأموالهم بالجزائر لا يهمون الرياضيين والإعلاميين في شيء فلتأكلهم الجماهير الجزائرية المتعصبة، أو لتطردهم، المهم الوصول إلى كأس العالم!


وأقيمت المباراة الفاصلة، وفازت بها الجزائر، وكان من المفترض أن ينصرف الجمهور الجزائري إلى احتفالاته، ولكنه لم يفعل، وإنما طارد "فلول" القوات... أقصد "الجمهور" المصري، وهو في طريقه إلى المطار!

أي نفس هذه التي تقدم على أذى مسلم، أو مسلمة من أجل مباراة انتهت وحسمت نتيجتها؟؟!!


إنه مما استخدمه هذا الإعلام الفاسد من أجل شحن شباب الكرة المسكين.. أن قالوا له: إن الجزائر بربر، وليسوا عربًا.

وعلى الجانب الآخر يقال لهم: إن المصريين فراعنة، وليسوا عربًا، ونسي الجميع أننا مسلمون؛ وحَّد الإسلام بين آبائنا، وصارت هذه هي نسبتنا، وهذا هو شرفنا...

أبى الإسلامَ لا أبًا لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم


ولكن هذا المعنى إذ كان يغيب عن كثير من مثقفي الأمة... فكيف الحال بمشجعي الكرة، ومدمني الإنترنت؟!.

ولا شك أن الصحف الإسرائيلية قد دخلت اللعبة بخبث حين هنأت الشعب المصري على الفوز في مباراة القاهرة؛ لتلتقط بعض الصحف الجزائرية الخيط، وتبرز المباراة مع مصر، وكأنها مباراة مع إسرائيل، آسف أقصد معركة مع إسرائيل إذ لو كانت المباراة مع إسرائيل لما بلغت حدة التوتر فيها هذا المبلغ!!


كما فعلت "السفيرة الأمريكية" نفس الفعلة؛ لمّا تمنت الفوز لـ"لمنتخب المصري" في المباراة الفاصلة، في ذات الوقت التي أشارت فيه بعض التقارير الصحفية إلى مسؤولية المخابرات الفرنسية عن الأخبار المكذوبة عن وجود قتلى بين صفوف المشجعين الجزائريين في مباراة القاهرة.

إن الاحتلال الذي تقاسم بلاد المسلمين قديمًا يريد التأكيد على هذا التقسيم.


إن المطلوب أن يرتمي "الشباب المصري" الهائم بالكرة في "أحضان أمريكا" التي تمنت الفوز لمصر، وأن يرتمي "الشباب الجزائري" في "أحضان فرنسا" التي ما زالت تعتبر انتصار الجزائر انتصارًا لها.

إذًا نحن أمام "داحس" و"غبراء" جديدين، -بل إن سباق الخيل الجاهلي كان له بعض النفع في الاستعداد للحرب-، وأمام شباب موتور تحركه وسائل إعلام باحثة عن الربح بأي وسيلة، يقال لمشجعي كل فريق: -"في الجزائر يطلقون عليهم لقب: أنصار الفريق القومي"- أن يعيقوا لعب الحصان الآخر "أقصد الفريق الآخر"، واللعب الآن على المكشوف، والحيلة تصورها كاميرات التلفزيون، وبالتالي فإعلان الحرب من قبل الفريق المعتدى عليه يكون فوريًا، وعقب إطلاق صافرة النهاية.


أمة الإسلام أداحس وغبراء... وقد أكرمكم الله بالإسلام؟!

أما آن لشبابنا أن يفيق من غفلته؟!

أما آن لمصلحينا أن يقفوا وقفة أمام هذا العبث؟!

أما آن لعلمائنا ألا تأخذهم في الله لومة لائم؛ فيفتوا بحرمة مسابقات الكرة على هذه الصورة المتضمنة لمحرمات عدة: أولها التعصب.


إن المسابقة على الكرة التي لها جوائز. غير جائزة... حتى ولو لم تكن الجوائز مقدمة من اللاعبين؛ لأنها مسابقة في غير ما أذِن الشرع بالمسابقة فيه؛ كما دل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم: «لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ أَوْ فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني], وقاس عليه بعض العلماء كل ما يعين على الجهاد، وألحق به بعضهم ما يعين على طلب العلم.

وإنما أبيحت المسابقة بعوض من غير المتسابقين، أو من أحدهم مع وجود محلل على تفاصيل مذكورة في موضعها في هذه الأمور للمصلحة الراجحة، وأما فيما سوى ذلك فتبقى المفاسد.


إن المفسدة الرئيسية للقمار: تنبع من أنه في نهاية اللعبة لابد من فائز وخاسر، ولا بد أن يكون أحد الطرفين في قمة فرحه؛ بينما الآخر في قمة حزنه، وهذا مما يكون له مدخل للشيطان لإدخال العداوة والبغضاء؛ بخلاف البيع والشراء مثلاً؛ فإنه يمكن متى التزم بالشرع أن ينصرف كل طرف وهو راض عن نصيبه من الصفقة؛ ولذلك قال -تعالى-: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].

وإنما أباح الشرع المسابقة بعوض لما ترجحت مصلحته، وهو ما يعين على القتال، وبشرط وجود متسابقين لم يدفعوا، والملاحظ أن المسابقة في: ركوب الخيل، والإبل، والرمي، مسابقات متى الُتزم بها بالضوابط الشرعية غالبًا ما يفوز بها الأجدر بالفعل، بخلاف أمور اللعب التي هي بمقتضى الاسم فيها نسبة كبيرة من الحظ، ولا يمكن لطرف أن يفوز إلا بإعاقة الآخر؛ بحيث تشتمل اللعبة على دفاع وهجوم، وهذا ما يجعل كل فريق أكثر ندمًا وحسرة على ما فاته من فرص ضائعة؛ ومما يوجد مدخلا للشيطان في تعدي البعض في طريقة إعاقة منافسه.

فالمسابقة بعوض في هذه الألعاب الرياضية غير جائزة، وإنفاق أموال المسلمين فيها من التبذير والإسراف المنهي عنه، والتحريش بين المسلمين بسببها من الكبائر، والإصرار على الاستمرار في مسابقة مع ما تنطوي عليه من المخاطرة بأرواح مسلمين جرم عظيم.

ويكفي أن نعلم أن الله أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية أن يرجع، ولا يعتمر مع قدرته على دخول مكة عنوة، وهو أمر استعصى على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معرفة الحكمة منه وقتها؛ فأنزل الله بيانها في قوله: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ...} [الفتح: 25]، ثم قال مبينـًا أن هذا هو السبب الذي من أجله أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بإمضاء الصلح: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [سورة الفتح: 25].


إن "العار" و"الشنار" الذي لحقنا من جرَّاء انتساب هؤلاء "الإعلاميين" إلى الأمة، ومن جرَّاء وجود هذا الشباب الأعمى بين صفوفها، ومن جرَّاء التضحية بدماء المسلمين في: "مصر، والجزائر" من أجل مباراة كرة؛ ليذكرنا بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".

فيا قومنا عودوا إلى الإسلام ووحدته..

واحملوا همّ دعوته...

وذروا اللهو والعبث -وعلى رأسه مباريات الكرة-.

وهذه صيحة حسرة وألم أطلقها الشاعر "فاروق جويدة" على تلك اللوثة التي أصابت المسلمين هنا وهناك، نقتطف منها قوله:

لقد جمعتنا دماء القلوب فكيف افترقنا بهزل القدم؟!

وقوله:

هنا جمعتنا دماء الرجال فهل فرقتنا غناوي اللعب؟!

وقوله:

ينام الصغير على نار حقد *** فمن أرضع الصغير هذي الكبائر؟!
ومن علم الشعب أن الحروب *** كرات تطير وشعب يقامر؟!


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر: موقع صوت السلف

عبد المنعم الشحات

أحد المشايخ البارزين بمسجد أولياء الرحمن بالاسكندرية للدعوة السلفية و منهجه منهج أهل السنة و الجماعه و سلف الأمة من الصحابة و التابعين لهم باحسان