الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان - استنساخ النموذج العراقي
الرَّئيس نفسَه حذَّر من أنَّ هذه المهمَّة ستكون أصعبَ وأقسى من العراق؛ نظرًا لطبيعة المنطقة، وتداخل مصالح العديد من الدُّول في أفغانستان.
لم يكدِ الرَّئيس الأمريكيُّ الجديد (باراك أوباما) يتسَّلم زَمام إدارة الحُكم في الولايات المتحدة، حتَّى كانت أصداءُ خُططه الإستراتيجيَّة الجديدة، والخاصَّة بمناطق التَّماس والقتال بالنِّسبة للجيش الأمريكيِّ، وعَلاقتها مع الدُّول التي كانت تَعدُّها من محور الشَّرِّ التقليديِّ في العالَم - تطفو على السَّطح، وتجد مَن يدافع عنها ويتبناها، فبعدَ إعلانه عن خطته للانسحاب من العِراق خلالَ ثمانية عشر شهرًا، ورغم عدم نيلها لكامل رِضا ناخبيه من الشَّعب الأمريكي، إذا به يَغتنم مناسبةَ بداية العام الإيرانيِّ الجديد ليبعثَ برسائل "غزل"، وعروض تغليبٍ للمصالح، ومنطق الدبلوماسيَّة على ما كان سائدًا مع إيران من حالة عداءٍ وتَوتُّر، استمرتْ لأكثرَ من ثلاثة عقود.
ثم ما لبث الرَّئيس الأمريكي أن أعلنَ مؤخَّرًا عن خُطَّته
الإستراتيجيَّة الجديدة بخصوص "فاتحة" الحُروب الأمريكية، ضدَّ ما
سمته إدارة (بوش الابن) الجمهورية "بالإرهاب" ضدَّ حركة طالبان في
أفغانستان، بعدَ أن عانت قُوَّات حلف النَّاتو من تصاعُد الهجمات،
وحصار القوات ضِمنَ القواعد العسكريَّة المتناثرة في البلاد، وتعيين
"ريتشارد هولبروك" ممثلاً لتنفيذ إستراتيجيته الجديدة في كلٍّ مِن
أفغانستان وباكستان على حدٍّ سواء.
والحال أنَّ الرَّوابط التاريخيَّة والجُغرافيَّة التي تمتدُّ عميقًا بين كِلاَ البلدين - باكستان وأفغانستان - جعلتْ من المبرِّر بالنسبة للإدارة الأمريكيَّة الجديدة أن تجعلَ صَلاحيات المبعوث الأمريكيِّ الجديد (هولبروك) تمتد لتشملَ البلدين، كما أنَّ انعكاساتِ الخُطَّة الجديدة سوف تؤثِّر - بلا شكٍّ - عليهما معًا، بالإضافة إلى جارتهما الهند، وربَّما يشمل تأثيرُها جنوبَ القارَّة الآسيوية برُمَّتها.
وإذا كان الرَّئيس الأمريكي (باراك أوباما) يأمل في أن تؤدِّيَ
إستراتيجيتُه الجديدة في أفغانستان إلى النَّجاح ذاته، الذي حقَّقته
إستراتيجية الولايات المتحدة في العراق، من حيثُ التَّعاونُ مع
"المتشدِّدين" الإسلاميِّين؛ لتمهيد الطَّريق للانسحاب من البلاد؛
إلاَّ أنَّ الرَّئيس نفسَه حذَّر من أنَّ هذه المهمَّة ستكون أصعبَ
وأقسى؛ نظرًا لطبيعة المنطقة، وتداخل مصالح العديد من الدُّول في
أفغانستان.
وتُركِّز الخُطَّة الأمريكية الجديدة في أفغانستان على التَّحدي الرَّئيس، وهو ما يعتبره كثيرٌ من المحلِّلين السياسيِّين لن يكون قتال القاعدة مباشرة، كما حدث في العراق، بل تعزيز الأمن وتفعيل التَّنمية، وبالتَّوازي مع ذلك، تقوية الحكومة الأفغانيَّة، ودعم مصداقيتها، وزيادة شعبيتها المتدهورة.
ففيما تراجعتْ حدَّة العنف في العراق ضدَّ القوَّات الأمريكيَّة، خاصة بعدَ أن تحالف وجهاءُ القبائل السنيَّة عام 2007 مع القوَّات الأمريكيَّة ضدَّ "القاعدة"، في الوقت الذي تدفَّق مزيدٌ من القوَّات الأمريكيَّة على العراق في عهد إدارة الرَّئيس السَّابق "جورج بوش"، وامتدح فيه "أوباما" قائدَ الجيش (ديفيد باتريوس)؛ لأنَّه "مدَّ يده إلى النَّاس الذين كنَّا نعتبرهم أُصوليِّين إسلاميِّين"، حسب تعبير "أوباما"، فإنَّ طبيعة أفغانستان الوعرة، وخبرةَ أهل البلاد في مقاومة الغزاة من البريطانيِّين إلى السوفييت، إلى الحدِّ الذي اعتُبرت فيه أفغانستان "مقبرة الإمبراطوريات" - يُصعِّب من نجاح الخُطَّة الأمريكيَّة المعتزمة، ويجعل الوضع أكثر تعقيدًا.
فحتَّى السَّفير الأفغاني في الولايات المتحدة (سعيد جواد) حذَّر من أن "أفغانستان ليست العراق"، وحثَّ إدارة الرَّئيس "أوباما" على السماح للحكومة الأفغانيَّة بتولِّي إجراء أي محادثات مع "طالبان"، مُعتبِرًا أنَّ "طالبان" و "القاعدة" لهما جذور أعمق في أفغانستان ممَّا يتصور الأمريكان، وبعد أكثر من30 عامًا من الحروب لم يَعُد في أفغانستان إلاَّ عدد قليل من زعماء القبائل الذين يُشبهون نظراءهم في المحافظات السنية العراقيَّة، وبدلاً من ذلك فإنَّ أفغانستان ملأى "بأمراء الحرب ومهربي المخدرات".
وعليه؛ فإنَّ تسليح هذه القبائل الأفغانيَّة سيكون له عواقبُ
خطيرةٌ على استقرار أفغانستان والمنطقة بأسرها، فعلى العكس من الوضع
في العراق، اكتسبت عناصر "طالبان" موضع قدم في أفغانستان؛ نتيجةً
لغياب القوات المتعددة الجنسية، أكثر ممَّا هو نتيجة لوجودها، كما يرى
ذلك المحلِّلون العسكريون، نتيجةَ انشغال الولايات المتحدة خلالَ
الفترة الماضية بالحرب في العراق.
ولذلك فقد نَصحَ كثيرٌ من المحلِّلين الأمريكيِّين إدارةَ "أوباما" بالعمل على تعزيز دور الدَّولة في المجتمع، وتأكيد مكانتها لَدَى النَّاس، بعدما قدَّمت حركة "طالبان" نفسها كبديل سريع لتطبيق القانون والعدالة الاجتماعيَّة في ظلِّ تراجع دَور الدَّولة، وتعطيل مرافقها عن تأدية دورها، بدلاً من التحالف مع حركة "طالبان" وتسليحها، وإطلاق "صحوات الأفغان" على غرار ما فعلته الولايات المتحدة في العراق.
فقد حذَّر الجنرال (ريك أولسون)، قائد العمليات السَّابق لقوات
التَّحالف في أفغانستان، مِن أنَّ إرسال مزيد من القوات لن يجلب
الاستقرارَ إلى شعبٍ يُعدُّ أكثر قرويَّة، وتباعدًا جغرافيًّا من
الشَّعب العراقي، وكتب (أولسون) في مجلة "كريستيان ساينس مونيتور":
أنَّ "الظروف التي مكَّنت من تحقيق النجاح في العراق غير موجودة في
أفغانستان"، وأنَّ ما تحتاج إليه الولايات المتحدة هو اتباع نهجٍ جديد
يربط بين مكافحة التَّمرُّد، وعمليات التنمية المتدهورة في البلاد،
وإظهار نفوذ الحكومة المركزيَّة.
ويبدو أنَّه إذا كانت الولايات المتحدة تُريد رسم خارطة طريقٍ
جديدة لتسهيل خروجها من أفغانستان، فإنَّ عليها أن تدخل في حوار مع
حركة "طالبان"، إذا أرادت النَّجاح في أفغانستان، كما ينبغي عليها في
الوقت نفسِه أن توازنَ بين المصالح المتعارضة للهند وباكستان، على
الرَّغم من أنَّ لكلٍّ من الدَّولتين النَّوويتين مصلحةً كبرى في أيِّ
تسوية سياسيَّة نهائية في أفغانستان، تضمن أمنها واستقرارها، إلاَّ
أنَّ التوصُّل لتسوية سياسيَّة تشمل كُلاًّ من أفغانستان وباكستان
والهند سيتطلَّب براعةً دبلوماسيَّة من إدارة "أوباما"، وتعديلاً في
الإستراتيجيَّة العسكريَّة الأمريكيَّة، التي تؤدِّي إلى سقوط عدد
كبير من المدنيين جراءَ الغارات الأمريكيَّة الجويَّة.
- التصنيف: