خطب مختارة - [43] الامتحانات وواجب رعاية الدين
هب أن ولدك قصّر في أداء ذلك الاختبار ولم يسدَّد للجواب الصحيح، ألا يضيق صدرك ويشتدّ همّك وغمّك وربما يشتدُّ غضبُك؟! وقد تُنْـزِل به عقوبة على ذلك حينما يكون مهملا، أين ذلك كله – لدى بعض الآباء - حين يعلم بل ويرى ولده يترك فريضة أو يضيع واجبًا شرعيًا أو يرتكب معصية ؟! نقول: أين الهمّ والاهتمام؟! أين التوجيه والموعظة بالحكمة؟! أين التشجيع والمصارحة.
الخطبة الأولى:
عباد الله، نرى في هذه الأيام عناية الأولياء بأبنائهم وبناتهم بشأن الاختبارات، يريدون لهم النجاح والتفوق؛ ويخشون عليهم من الفشل والتأخر، وهذا أمر طبيعي وجميل، تعالَ معِي أيها الأب المبارك لننظر إلى جانب آخر مما يحتاجه الأبناء والبنات؛ هل كان اهتمامنا بهم فيه بالقدر الذي أوليناه لدراستِهم وامتحاناتهم؟! ولك أن تقارن وتستخرج النتيجة، تخيّل أن أحدهم تأخّر في استيقاظه عن وقت الاختبار ما هي حال والده! ما هو شعوره؟! كيف سيصنع؟!. أرأيتَ إن نام يومًا أو أيامًا عن صلاته، ما هو الموقف يا تُرى؟! . أيها الأب المشفق؛ في كل يوم تسأل أبناءك وبناتك عما قدّموه في اختباراتهم، وهل وُفّقوا للجواب الصواب؟. السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: هل تسألهم وتتابعهم في أمر صلاتهم؟! وأدائها في وقتها، وإذا كانوا أبناءً هل حافظوا عليها مع الجماعة في المساجد؟!
أيها الأب المشفق، هب أن ولدك قصّر في أداء ذلك الاختبار ولم يسدَّد للجواب الصحيح، ألا يضيق صدرك ويشتدّ همّك وغمّك وربما يشتدُّ غضبُك؟! وقد تُنْـزِل به عقوبة على ذلك حينما يكون مهملا، أين ذلك كله – لدى بعض الآباء - حين يعلم بل ويرى ولده يترك فريضة أو يضيع واجبًا شرعيًا أو يرتكب معصية ؟! نقول: أين الهمّ والاهتمام؟! أين التوجيه والموعظة بالحكمة؟! أين التشجيع والمصارحة.
أيها الأب الحنون، ماذا فعلت لإعداد أبنائك وبناتك للاختبار الأعظم؛ اختبارٍ ليس فيه دورٌ ثانٍ ولا إعادةٌ ولا حملٌ للمواد، ما هو إلا نجاحٌ لا رسوبَ بعده أو رسوبٌ قد لا يكون بعده نجاح، ما هي إلاّ جنةٌ أو نار، {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185].
إن الأسئلة يوم القيامة عظيمة؛ فلا تزولُ قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأَل عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه ؟؛ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ فلنعد للسؤال جوابًا صوابًا بالعمل بما يرضي الله؛ لنفوزَ فوزًا عظيمًا؛ ولا نخسرُ خسرانًا مبينًا.
أيها الأب الفاضل، تذكر أنك مسؤول عن هؤلاء الأبناء والبنات في أمر دينهم قبل أمور دنياهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وفي الحديث المتفق عليه عن عبد اللَّه ابن عمر رضي اللَّهُ عنهما أنَّ رسول اللَّه قال: « » [صحيح البخاري: 893].
أيها المؤمنون، يوم الامتحان الأكبر يوم عظيم مهول؛ يدخله الجميع الآباء والأبناء؛ والأمهات والبنات؛ والأولون والآخرون، روى مسلم عن عَدِيِّ بن حاتم قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «صحيح مسلم: 1016].
» [وعند مسلم من حديث طويل عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» [صحيح مسلم: 2940].أيها الآباء وأيها الأبناء؛ لنتذكر عرصات يوم القيامة والناس قيام شاخصة أبصارهم، ألجمهم العرق من هول يوم السؤال ورعب يوم الحساب، يقول صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح مسلم: 2863]. لنتذكر إذا وضع الواحد منا في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم وجاء الممتحنون، وما أدراك ما الممتحنون، هما « » [صحيح البخاري: 1374].
هذه حال الفائز الناجح، أما الراسب الذي لم يستعدّ للامتحان فأعرض عن الصدق في الإيمان وترك طاعة الرحمان وتولى عن اتباع سيد الأنام: « » [صحيح البخاري: 1338].
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ...
الخطبة الثانية:
لنتذكر - عباد الله - أعظم الشهادات التي فيها نتائج أعظم الامتحانات؛ يوم توزّع الصحف، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ . يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ . مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:19-29].
أيها الأبناء؛ إياكم أن تنسوا دعاء ربكم وسؤاله في كلِّ أموركم الدينية والدنيوية. أيها الآباء؛ لا تنسوا أبناءكم من الدعاء لهم، في كل الأوقات؛ أن يصلح الله أمور دينهم وأمور دنياهم، هذا إبراهيم عليه السلام يقول: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40]، وزكريا عليه السلام دعا ربه فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]، ومن دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]. فما أحرانا أن نخصَّهم دائما بدعوات خالصة وخاصة في الأوقات الأحرى بالإجابة. وما أجمل أن نسعد قلوبهم بإسماعهم شيئا من الدعاء لهم.
وينبغي على الآباء والأمهات أن يصبروا على أبنائهم وبناتهم، ويحذروا كل الحذر من الدعاء عليهم، ومع الصبر استمرار توجيههم وعدم اليأس.
اللهم وفقنا ووفق أبناءنا وبناتنا لما فيه الخير والصلاح، اللهم خذ بأيديهم إلى البر والتقوى، اللهم احفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واكلأنا وإياهم برعايتك يا أرحم الراحمين. اللهم وفقهم في اختباراتهم وفي جميع شؤونهم يا رب العالمين.
- التصنيف:
- المصدر: