في حب الجدار الفولاذى!!

منذ 2010-01-09

معجبٌ أنا بالسادة المسؤولين في حكومة الدكتور نظيف ودولة الرئيس مبارك؛ فلديهم من القدرة على التبرير والتلفيق والإيحاء بأنهم بما يفعلون مقتنعون، ما يذهل السيد عبد الله بن أُبي بن سلول بذات نفسه !

 

معجبٌ أنا بالسادة المسؤولين في حكومة الدكتور نظيف ودولة الرئيس مبارك؛ فلديهم من القدرة على التبرير والتلفيق والإيحاء بأنهم بما يفعلون مقتنعون، ما يذهل السيد عبد الله بن أُبي بن سلول بذات نفسه.

هذا الإعجاب تضاعف كثيرا في الأسابيع الماضية بسبب حدوتة الجدار الفولاذي العازل على الحدود مع غزة، فمن منكم يستطيع أن يمنع نفسه من الإعجاب بتصريحات السيد الوزير أحمد أبو الغيط ومفيد شهاب وصفوت الشريف وباقي الشلة المقدسة التي تبدأ بالتأكيد على أن الجدار الفولاذي ما هو إلا عمل وطني يحفظ لمصر سيادتها، وتنتهي بأن مصر ورئيسها أفنوا عمرهم في خدمة القضية الفلسطينية، ولم يدخروا وسعا في مساعدة أهل غزة.


لا أعرف من أين يأتي رجال هذا النظام بتلك القدرة على دمج المتناقضات في سلة واحدة، ولا أعرف من أقنعهم أننا سنصدق حججهم الفارغة حول الأخطار التي تأتي بها أنفاق غزة... طيب، إذا كانت الأنفاق تمثل لهم كل هذا الإزعاج الذي يدفعهم لإنفاق الملايين على منعها بالجدار أو غيره، فلماذا لا يجعلون من المعبر نفقا مفتوحا تمر منه احتياجات أهل غزة أمام أعينهم التي تحفظ سيادة الوطن بدلا من أن يدفعوهم للتهريب الذي يخشونه؟!


هم يعلمون جيدا أن أهل غزة لجؤوا للأنفاق كوسيلة لكسر حصار الطعام والغذاء والدواء، ويعلمون أيضا أن هذه الأشياء لو كانت تدخل من معبر رفح لما تكفل أهل غزة عناء وأخطار حفر الأنفاق، أما حدوتة تهريب الأسلحة والمتفجرات فإن كانت تحدث، فلابد وقبل بناء الجدار العازل أن تسأل الحكومة المصرية التي تتحدث عن السيادة نفسها.. من أين تأتي وكيف تصل تلك الأسلحة إلى الأنفاق؟.. لأن هذا إن كان حدث أو يحدث، لا معنى له سوى فشل الدولة المصرية في فرض سيادتها على أرضها لدرجة جعلت من تهريب الأسلحة عبر الأنفاق هواية لدى أهل رفح على الجانبين.

المهم أعود إلى السادة المسؤولين والوزراء الذين تفرغوا للرد على كل الانتقادات الموجهة للجدار العازل بتأليف تصريحات المديح والثناء على الجدار الفولاذي، وأقول إن كل هذا الحب الحكومي للجدار العازل ليس وليد اللحظة، لأننا ببساطة نحيا في مصر تحت رحمة نظام يعشق الأسوار والجدران، ويمكنك أن تتأمل كل هذه الجدران اللافولاذية والأسوار العالية التي تفصل بين الرئيس وأهل الحكم وبين الشعب المطحون، بل يمكنك أن تدقق أكثر وأكثر لتكتشف أن الأسوار التي تفصل الرئيس عن شعبه أكثر قوة وقسوة من الجدار الفولاذي الذي تبنيه الدولة على الحدود مع غزة؛ لأن لأهل غزة قوافل تأتي من حين إلى آخر، ومعابر يفتحونها في بعض الأوقات، أما في مصر فالأسوار التي تفصل الشعب عن الرئيس لا منافذ بها ولا معابر ولا تتعرض للتآكل بفعل الزمن وعوامل المعارضة، بل على العكس تماما يزيدها الزمن توحشا وقسوة وقدرة على العزل، وإلا بماذا تفسر تصريحات الرئيس مبارك ورجاله عن الديمقراطية ومستوى المعيشة والمستقبل الأبيض والبنية التحتية، والتي تأتي دائما وكأنها تخص شعبا غير الشعب، وكأنها تتعلق بمواطنين يعيشون في سويسرا والسويد وليس في بولاق الدكرور وصفط اللبن، وكأنها تصريحات لها علاقة بمواطنين دخولهم تسمح لهم بأكل الجاتوه لا النوم من غير عشا ولا غداء وإن وجدوا الفطار فهو نابت من أرض ترويها مياه المجاري أو قادم من صفائح زبالة المناطق الراقية.

لا تزعجوا أنفسكم بنداءات لن تأتي بنتيجة؛ لأن الجدار الفولازي بالنسبة لأهل الحكم في مصر لا يتعلق فقط برغبات إسرائيلية أو أمريكية أو حتى حماية الأراضي المصرية، بل يتعلق بما هو أقوى من ذلك .. عشق هذا النظام لبناء جدران العزلة حتى ولو كانت على حساب شعوب بتموت من الجوع.

المصدر: محمد الدسوقي رشدي