مع القرآن - أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ
أحل لنا سبحانه كل طيب نافع ؛ وحرم علينا كل ضار خبيث. فضل من الله ورحمة منه بعباده فهو خالقهم وهو أعلم بما يصلحهم وما يفسدهم لأنه صاحب الصنعة.
ولما ترك المخلوق أوامر الخالق واخترع لنفسه تشريعاً دب الفساد في أوصاله الجسدية والأخلاقية والمجتمعية وتفشى الضرر.
فالله وحده له حق الحكم والأمر في خلقه ولا يحكم أو يأمر إلا بحكمة لا يملكها المخلوق بل لا يصل إلى فهمها إلا بإذن الخالق سبحانه.
قال تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة:1].
قال السعدي في تفسيره: قال ممتنا على عباده: {أُحِلَّتْ لَكُمْ} أي: لأجلكم، رحمة بكم {بَهِيمَةُ الأنْعَامِ} من الإبل والبقر والغنم، بل ربما دخل في ذلك الوحشي منها، والظباء وحمر الوحش، ونحوها من الصيود. واستدل بعض الصحابة بهذه الآية على إباحة الجنين الذي يموت في بطن أمه بعدما تذبح.
{إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} تحريمه منها في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ} إلى آخر الآية. فإن هذه المذكورات وإن كانت من بهيمة الأنعام فإنها محرمة.
ولما كانت إباحة بهيمة الأنعام عامة في جميع الأحوال والأوقات، استثنى منها الصيد في حال الإحرام فقال: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} أي: أحلت لكم بهيمة الأنعام في كل حال، إلا حيث كنتم متصفين بأنكم غير محلي الصيد وأنتم حرم، أي: متجرئون على قتله في حال الإحرام، وفي الحرم، فإن ذلك لا يحل لكم إذا كان صيدا، كالظباء ونحوه. والصيد هو الحيوان المأكول المتوحش.
{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} أي: فمهما أراده تعالى حكم به حكما موافقا لحكمته، كما أمركم بالوفاء بالعقود لحصول مصالحكم ودفع المضار عنكم.
وأحل لكم بهيمة الأنعام رحمة بكم، وحرم عليكم ما استثنى منها من ذوات العوارض، من الميتة ونحوها، صونا لكم واحتراما، ومن صيد الإحرام احتراما للإحرام وإعظاما.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: