لا انفِصام بين العلم والجهاد
يستحيل أن تجِد عالمًا ربَّانيًا، إلا وكان ذا غزوٍ وجهاد .. فالعلم والجهاد كالروح والبدن، كلّ منهما أحوج ما يكون إلى الآخر..
لا انفِصام بين العلم والجهاد، يا مَن أقعَدتم الناسَ عن الجهاد بحُجَّة التعلُّم ..!
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "بعد رحيل التتار من دمشق، بَقِيَت البلدُ في خوفٍ شديد .. لا يدري الناسُ متى يَهجم التتار مرةً أخرى، فاجتمع الناسُ حول الأسوار لحفظ البلد! وكان ابنُ تيمية؛ يدورُ كلَّ ليلةٍ على الأسوار .. يُحرِّض الناسَ على الصبر والقتال، ويتلُو عليهم آيات الجهاد والرباط". انظر البداية والنهاية
وفي ترجمة الأُصوليّ اليَمنيّ الحسين بن القاسم، صاحب التصانيف الكثيرة..
قال خيرُ الدين الزِّركْلي رحمه الله: "ومِن عجيب أمره، أنه صنَّف كتبَه، وهو يتنقَّل في ميادين القتال، يَقود الجيوشَ، ويُحاصِر-الأعداء- ويَشنّ عليهم الغارات، وتُوفي قائمًا بحَربِهم". انظر: الأعلام للزّرِكلي
قلتُ:
والأمثلة على جمْع العلماء الربَّانيين، بين العلم في وقته، والجهاد متى تعيَّن؛ هي أكثر من أن تُحصَر، وأشهر من أن تُذكَر..!
ويستحيل أن تجِد عالمًا ربَّانيًا، إلا وكان ذا غزوٍ وجهاد .. فالعلم والجهاد كالروح والبدن، كلّ منهما أحوج ما يكون إلى الآخر..
بل العِلم هو قاعدةُ الجهاد، ومِيزان اعتدالِه، ومعيار سلامتِه ..!
يقول الجصَّاص رحمه الله، في أحكام القرآن: "فإن ثباتَ الجهاد بثبات العلم، وإنه فرع له، ومَبنيٌّ عليه".
فجهادٌ دون علم؛ فتنةٌ في الأرض، وفسادٌ عريض، وعلمٌ دون جهاد؛ استكثارٌ من حُجَج اللهِ على النَّفس والخَلق، وفيه ضياع الدّين والدنيا ..!
وكلُّ مَن أقعَد الناسَ - وخاصةً طلبةَ العلم - عن الجهاد، والسَّعي الواقعيّ لإعداد العُدَّة، وتمكين الأمَّة، بحُجَّة عدم التلازُم بين العلم والجهاد، أو أن الأصلَ هو العلم؛ بمعنى القعود حتى يتعلّم الناس، ولَو فنَت في سبيل ذلك أجيالٌ، يتلُوها أجيال؛ فمِثلُ هذا وأمثالِه؛ سببٌ رئيس في خِذلان الأمَّة وهزيمتِها، شاءَ أم أبَى.. وقد أحدَث في الإسلام وأهلِه، بدعةً ضلالة لا خلاق لها، ولا أثارة من علم تعضدها!
فإنَّه لم تُعهَد حالةُ الانفصام هذه، بين العلماء والجهاد والإعداد له؛ إلَّا في هذا القَرن المُتأخّر من الزمان .. والعلم دومًا قرين الجهاد، وذاك مسطورٌ في السُّنَّة والكتاب!
يقول ابن القيّم رحمه الله: "ولهذا .. قرن سبحانه بين الكتاب المُنزل، والحديد الناصر؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد:25]؛ فذكر الكتابَ والحديد.. إذ بهما قوام الدين"؛ انظر: مفتاح دار السعادة.
نعم قد يتعذَر الجهادُ حينًا، وتَخبو جذوةُ نارِه بُرهةً.. لكنَّه بحالٍ؛ لا يَنفصل عن العلم والتقعيد، والتأصيل والتذكير، وشَحذ الهِمَم نَحوه، بل والاستعداد الحقيقيّ له!
وإلَّا.. لمَاتا جميعًا ؛ الجهادُ العَمليّ والإعدادُ لَه، والعلم المؤهِّل لذلك! وحينئذٍ؛ فلا شكّ في الإثم العامّ على الأمّة؛ خاصّة وعامّة!
أبو فهر المسلم
باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله
- التصنيف: