ماذا تفعل لو كنت بالقدس الآن
... لو كنت هناك الآن ماذا ستعمل؟ وماذا كنت ستنتظر من إخوانك ليقدموا لك ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي ظل سعي اليهود -أخزاهم الله وجعل تدبيرهم تدميرهم- في تهويد
مدينة القدس؛ ألم تسأل نفسك أخي المسلم:
لو كنت هناك الآن ماذا ستعمل؟ وماذا كنت ستنتظر من إخوانك ليقدموا
لك؟
أما الشق الأول فللإجابة عليه تعال معي لتنظر إلى أقسام الناس هناك؛
لتعلم إلى أي قسم سوف تنتمي:
القسم الأول: قسم العملاء الذين باعوا دينهم وأرضهم ووالوا
أعداء الله من اليهود والكافرين، فهم حرب على إخوانهم، وشوكة في
ظهورهم، وسلم لأعدائهم يسارعون فيهم لما يخشون من تسلط أعداء الله
عليهم؛ هؤلاء الذين في قلوبهم مرض أوتوا من ضعف إيمانهم، وظنهم السيء
بربهم حيث ظنوا ظن الجاهلية أن الله سيجعل الدولة للكافرين على
المؤمنين دائمًا {فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ
أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي
أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}
[المائدة: 52]، هؤلاء نسوا قول الله -تعالى-:
{وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:
141]، وكذلك قوله -سبحانه وتعالى-:
{كَتَبَ اللَّهُ
لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}
[المجادلة: 21].
القسم الثاني: من حال بينهم وبين الجهاد في سبيل الله أنفسهم
الأمارة بالسوء وشهواتهم، والوهن الذي أصابهم من حب الدنيا وكراهية
الموت؛ كما وصفهم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر عن
حال هذه الأمة عندما يتداعى عليها أعداء الله كما يتداعى الأكلة إلى
قصعتهم. فهم نعم هناك، لكن كبلتهم معاصيهم عن مواجهة أعداء الله؛
فوقفوا موقف المتفرج الذي يترقب نهاية الأزمة.
القسم الثالث: قسم يقاتِلون ويبذلون دماءهم وأرواحهم، لكن ليس
من أجل إعلاء كلمة الله، ولكن من أجل: أرض، أو عرض، أو قومية وعصبية
وفقط! يقاتلون اليهود لكن ليس من أجل أنهم كفروا بالله أولًا، ولكن من
باب أنهم احتلوا الأرض وهتكوا العرض وحسب!
فهؤلاء لم يفهموا قضيتهم وفق ما أراد الله -سبحانه- منهم، وليس على
يد هؤلاء يتحقق نصر الله، ويا خسارة ما بذلوا لغير سبيل الله؛ فقد سئل
النبي -صلى الله عليم وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل
رياء أي ذلك في سيبل الله؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-:
«مَنْ
قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ»[متفق
عليه].
القسم الأخير: الثلة الذين اختارهم الله وشرفهم وأعلى مقامهم
ليكونوا خط الدفاع الأول -بأرواحهم وكل ما يملكون- عن قبلة المسلمين
الأولى ومسرى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم
في سبيل الله، وهؤلاء داخلون -إن شاء الله- في الطائفة المنصورة الذين
يُقاتِلون عن هذا الدين؛ فيا لله ما أحلى موقفهم وما أعظم تضحيتهم؛
ثبتهم الله وأيدهم بمدد من عنده، وأعانهم ونصرهم على عدوهم، وألحقنا
بهم وجعلنا في زمرتهم.
فانظر -أخي الحبيب- إلى تباين الأحوال والمقامات هناك، ولا تستغرب
فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وما جعل الله
هذه المحن والفتن إلا ليمحص المؤمنين من المنافقين، ويتخذ منهم شهداء،
وليعلم الذين يجاهدون في سبيله، ومن أجل إعلاء كلمته ويصبرون على ذلك،
وكذلك ليمحق الكافرين ويخزهم وينصرنا عليهم بظلمهم للمؤمنين.
وهو مصداق قول الله -تعالى-:
{وَتِلْكَ الأيَّامُ
نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ
وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*
وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}
[آل عمران: 140-141].
فهل تضرعت -أخي- إلى ربك أن يثبت قلبك ويختارك لنصرة دينه، فاخرج من
حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، وقل بصدق: "حسبنا الله ونعم
الوكيل".
وابدأ من الآن فقوي إيمانك بربك، وافهم قضيتك على وفق شرع الله واعلم
من عدوك؟ ومن وليك؟
فوليك الله ورسوله والمؤمنون عبر الزمان والمكان، وأعداؤك هم
الكافرون وإن كانت الغلبة لهم الآن. واعلم أنك لا تقاتل من أجل: أرض،
أو عرض، أو حجارة إلا ومقصودك الأول هو إعلاء كلمة الله في الأرض
ومجاهدة من كفر بالله كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ»
[رواه مسلم].
وكذلك -أخي- هل نزعت من قلبك شهوات النفس وأهوائها وجاهدتها أولًا
حتى تستطيع أن تجاهد أعداء الله في الخارج، وأخرجت من قلبك حب الدنيا
وملذاتها وكراهية الموت في سبيل الله حتى لا تكون حائلًا بينك وبين
قتال أعداء الله، وتثقلك عن الجهاد في سبيله؛ فتجد نفسك قد فررت حين
تظن أنك ستثبت وحينها يستبدل الله بك قومًا غيرك:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ
إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى
الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ* إِلاَّ
تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً
غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ}[التوبة: 38-39].
الشق الثاني: لو كنت هناك ماذا تنتظر من إخوانك أن يقدموا لك؟
نعم، لو كنت هناك تحت النيران والقصف وأمامك الأسلحة العاتية ومحاصر
بأعداء الله، وأنت لا تملك لا مالًا ولا سلاحًا ولا طعامًا، لا تملك
إلا إيمانك وثقتك بربك والحجارة التي في يدك.
وقتها.. ما هو شعورك تجاه المسلمين -في كل مكان- الذين لا يؤدون حق
الأخوة الإسلامية لك، ونسوك ونسوا قضيتك ونسوا أنك وهُم كالجسد الواحد
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؟!
هل لو وقفت أنت وهُم بين يدي الله يوم القيامة هل سوف تسامحهم على
تقصيرهم في حقك وفي نصرتك؟!
هل سوف تسامح كل من قصَّر أو هوَّن من شأن الدعاء لك؟! وبالدعاء
والتضرع لله انتصر المسلمون في أحلك الظروف، وتذكر معي بدر والأحزاب
كيف كان دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- سببًا في نزول نصر الله
عليهم.
هل سوف تسامح من لهم فضل مال أو زاد عندما وجدوك محاصرًا بلا طعام أو
سلاح فلم يسارعوا في إعانتك بكل ممكن ومستطاع؟!
هل سوف تسامح من غرق في معاصيه وشهواته فكان سببًا في مزيد من تسلط
أعداء الله عليك ووقوع الهزيمة والذلة للمسلمين
{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم
مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ
هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}[آل
عمران: 165]؟!
هل سوف تسامح من والى أعداءك من الكافرين، وكان عونًا لهم في حربك
وحصارك والتمكين منك؟!
هل سوف تسامح المسلمين عندما لم يأخذوا بأسباب النصر والعزة ولم
يعودوا إلى دينهم علمًا وعملًا وتطبيقًا ولم ينصروا الله لكي ينصرهم
{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:
7]، وغيَّروا ما بهم من التفريط في حق ربهم حتى يغير ما بهم من الذلة
والهزيمة {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
[الرعد: 11]؟!
فيا أخي: الموقف بين يدي الله عسير فأعد له كل ما تستطيع، واحذر من
التقصير في حق إخوانك المسلمين؛ لا أقول في فلسطين وحسب، بل في كل
بقعة علاها حكم الله.
وأحب في الختام أن أبشرك بنصر الله وموعوده، واعلم -إن شاء الله
تحقيقًا لا تعليقًا- أن فلسطين سوف تكون مقبرة لليهود، وحينها يؤذن
لفجر الإسلام أن يعود كما قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-:
«لاَ
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ
فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ
وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ:
يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيُّ خَلْفِي فَتَعَالَ
فَاقْتُلْهُ، إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ»
[رواه مسلم].
اللهم أقر أعيننا بنصرة دينك وكتابك وعبادك المؤمنين، واحفظ مسجدك
الأقصى من كيد أعدائك وتدبيرهم. اللهم آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
- التصنيف: