تأمُّلات أُم - ابني و أنا: القصـــة (2/ 3)

منذ 2016-04-26

انظر يا بني لما فعل إبليس الذي كان طائعًا أشد ما تكون الطاعة فكان يسامي الملائكة في طاعة الله عز وجل حتى إذا ما أُمر بالسجود لآدم تكبرت نفسه وأبت عليه أن يطيع الله، فلم يسجد، ولما سئل لِمَ لم تسجد؟ انظر بماذا أجاب؛ أجاب باستكبار على من؟! على رب العزة تبارك وتعالى!

فقال: "حقًا، ستقصين علي حكاية يا أمي"، أومأت له أن نعم، وهو من أشد الخلق محبة للحكايات والقصص فكثيرًا ما كان يلح عليّ أن أفعل له ذلك.

قلت له يا بني: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح أمر الملائكة وإبليس أن يسجدوا له، فسارعت الملائكة بالسجود وتكبر إبليس فلم يسجد وخالف أمر الله، فسأله الله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: من آية 32].

قال إبليس: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء من آية:61 ]

{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ . قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ​} [ص الآيات:75-76].

-انظر يا بني لما فعل إبليس الذي كان طائعاً أشد ما تكون الطاعة فكان يسامي الملائكة في طاعة الله عز وجل حتى إذا ما أُمر بالسجود لآدم تكبرت نفسه وأبت عليه أن يطيع الله، فلم يسجد، ولما سئل لِمَ لم تسجد؟ انظر بماذا أجاب؛ أجاب باستكبار على من؟!! على رب العزة تبارك وتعالى!!

- قال: خلقتني -يقرُّ بأنه مخلوق مربوب لله- من ناروخلقته -أي آدم- من طين؟
انظر كيف قاس بعقله الضال: إن النار أفضل من الطين؛ فكيف يسجد الأفضل للأقل؟!

وبذا رد على الله أمره، فليت الخطأ اقتصر على رد الأمر بجوارحه معصية ظاهرة، بل انضم إليه ما جعله يستوجب اللعن وهو الطرد من رحمة الله -عياذًا بالله -انضم إلى عدم طاعته كبر في قلبه على طاعة الخالق مقدمًا ما يهوى على أمر الحق تبارك وتعالى فكان من الكافرين: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34].

فكانت معصية قلبه أعظم وأنكى فاعلم: أن معصيته ليست معصية ظاهرة بل هي منبنية على أصل كفري، كفر غطى فيه إبليس توحيد الألوهية وهو الأمر والنهي للخالق عز وجل وانظر كيف أقر بالربوبية جاحدًا الألوهية!! قال: خلقتني...ومع ذلك أبى واستكبر أن يطيع الأمر الإلهي فأقرّ بما يهوى وكفر وجحد ما لا يهوى!

مع أن الله قال في كتابه العزيز: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ​} [الأعراف:54].

- إذن عصى إبليس فلم يسجد وكان حريًا به أن يعتذر عن معصيته فيقول مثلاً: إنه لم تطاوعه نفسه على طاعة الأمر معتذرًا منكسرًا راجيًا خاشيًا نادمًا على مخالفته لأمر خالقه، إلا إنه لم يفعل، بل أظهر ما هو أقبح من معصيته الظاهرة وأشنع فأظهر كبرًا دل على كفر بالإله فهو كأنه بما فعله وقاله أقرَّ: إنه لن يطيع الإله إلا فيما وافق هواه، وهذا كفر بالإله سبحانه وتعالى. 

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ​} [الجاثية:23].

فماذا كان العقاب الحق؟ {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ​} [الحجر:34-35].

انظر يا بني وانتبه:

لم يكتف إبليس بما حمله من معاصي ولم يفزع إلى الاعتذار والبكاء وإظهار الانكسار واسترحام الرحمن الرحيم ولا لزم الاستغفار؛ علّ الله يغفر له أو يخفف عنه فيرحمه من الخلود في النار، بل كان جل همه أن يصب جام غضبه على مَن؟! -تخيل- على من لا ناقة له ولا جمل..على آدم!

فماذا فعل له آدم حتى يندفع -عليه لعنة الله- فيطلب من الله أولا أن يُنْظِره فلا يعاقبه في الحال: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ​} [الحجر:36].

ولا تظن أنه طلب النَّظِرة ليصلح من حال قلبه ويحاول التوبة، لا، بل ليزداد تكبرًا وتجبرًا، فأجابه الله بحكمته إلى مطلوبه، وهوأعلم بذات صدره -سبحانه-: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ . إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ​} [الحجر:37-38].

وهنا لم يألُ إبليس جهدًا في إظهار العداوة والبغضاء والغل والحسد و... لآدم بل ولأنه شيطان كافر حقود لم يكتف بمناصبة آدم العداء وتحميله تبعة معصيته والافتراء عليه بأنه سبب خروج إبليس من الجنة وخلوده في النار بل تجبر وتكبر و دعا بالثبور وعظائم الأمور على آدم المسكين -المفترَى عليه- وذريته التي لم تكن أمهم حواء خلقت بعدُ!!

فما أظلمه وما أكفره وما أقسى فؤاده وما أشد انطماس فطرته وبصيرته، رفع عقيرته بعد ما أخذ الوعد بالنَّظِرة من الله -الذي لا يخلف الميعاد- أقسم من قلبه -الآثم- قائلاً: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ​} [ص:82-83] {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ​} [الأعراف:16-17]، {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا . وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّـهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّـهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا​} [النساء:118-119].

-ما أشد عدائه لآدم وبنيه ولذا قال الله تعالى محذرًا لنا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُوحِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6].

فعلام كان هذا العداء يا بني؟!!
انتبه جيدًا:
حمّل آدم تبعة خطئه؛ افتراء منه وظلمًا ولو أنصف من نفسه لاعترف بذنبه وأقر بمعصيته -حتى لو عوقب ما كانت تلك العقوبة لتصل إلى اللعن -عياذًا بالله- فالانصاف الانصاف.. والإقرار بالحق والانكسار بين يدي الخالق وطلب العفو والسماح أجدر بنا يا بني و أجمل فارفق بنفسك ولا تزد عليها الهلكة بمزيد افتراء مع معصية، يكفيك معصية الجوارح واحذر أن تضم إليها معصية القلوب فتهلك كما هلك إبليس أعيذك بالله من أن تردى.

-وبضددها تتبين الأشياء: خلق الله آدم وخلق له حواء ثم أمره أن يسكن الجنة ويتمتع بكل ما فيها إلا إنه حرم عليه شجرة واحدة من الجنة نهاه -سبحانه- عن الأكل منها، ونبهه أن الشيطان عدو له، ثم عصى آدم كما عصى إبليس إلا أنه لم يعاقب مثله؟

فلِـمَ؟؟

و .... يتبع.

المقال السابق
ابني و أنا: يلقي باللائمة عليَّ (1/ 3)!
المقال التالي
ابني و أنا: آدم ينجو بالتوبة (3/3)