تكامل الشريعة في سورة الحديد
يخيل للمرء عندما يقال له: سنتلو عليك سورة اسمها سورة الحديد، أنه سيسمع سورة تتحدث عن القتال أو الصناعة أو ما شابه، لأن الحديد يشير إلى هذين الأمرين، إلا أن المتأمل للسورة يلاحظ أن الإيمان والحديث عنه وعن تربية المسلمين عليه وعن الدعوة للإنابة وترك الدنيا والإنفاق في سبيل الله، يحتل المساحة الأكبر من مساحة السورة.
يخيل للمرء عندما يقال له: سنتلو عليك سورة اسمها سورة الحديد، أنه سيسمع سورة تتحدث عن القتال أو الصناعة أو ما شابه، لأن الحديد يشير إلى هذين الأمرين، إلا أن المتأمل للسورة يلاحظ أن الإيمان والحديث عنه وعن تربية المسلمين عليه وعن الدعوة للإنابة وترك الدنيا والإنفاق في سبيل الله، يحتل المساحة الأكبر من مساحة السورة.
وعلى الرغم من هذا كله تسمى هذه السورة باسم الحديد، فما هي علاقة الإيمان باسم السورة، ولماذا سميت السورة بهذا الاسم مع أنها تتحدث عن الإيمان في معظمها، وكيف تسمى السورة بهذا الاسم مع أنه لم يذكر فيها إلا عرضًا؟
وهذا من عجائب هذه السورة، ومن الأمور المحيرة فيها، وعلى كل حال لننظر في مكان وجود اسم السورة فيها وما هي المعاني المحيطة به.
ذكر اسم الحديد في الآية التالية {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25]ٍ.
والمتأمل في هذ الآية يجد أنها ذكرت أمورًا ثلاثة وهي:
- البينات
- الكتاب والميزان
- الحديد
فكأن الشريعة التي نزلت تتألف من هذه الأمور الثلاثة:
بينات: أي آيات واضحات وكأن فيها إشارة إلى الحديث عن العقيدة الواضحة والإيمان.
كتاب وميزان: ليضبط حياة الناس ويعطي كل ذي حق حقه.
حديد: وهي كناية عن استخدام القوة، وذكر معه أمران:
الأول: بأس شديد: وفيه إشارة إلى الجهاد في سبيل الله وتقويم من شذ وخرج عن الكتاب والميزان.
الثاني: منافع للناس: وهي الصناعات والمصالح التي تقوم به، أو أنها منافع الجهاد وبركته (وجعل رزقي تحت ظل رمحي).
إذن، السورة تتحدث في معظمها عن الإيمان ورسوخه والحديث عنه مقرونًا بالإنفاق في سبيل الله، ثم تسمى باسم الحديد الذي ذكر مع العقيدة الواضحة ومع التشريع العادل الشامل للحياة كلها، وهذا يحمل رسالة مهمة جدا لقارئ هذه السورة المتدبر لما فيها من معان:
ألا وهي الإشارة إلى تكامل هذه الشريعة وشمولها لكافة نواحي الحياة، وأن هذا الإيمان الذي استغرق الحديث عنه معظم مساحة السورة، مع كونه هو الأساس الذي تقوم عليه شريعة المسلمين وديانتهم ودولتهم وتصوراتهم وعقائدهم، إلا أنه ليس إيمانًا صوريًا لا ينعكس أثره على الحياة، بل هو إيمان فاعل يصاحبه إنفاق في سبيل الله ويصاحبه شرائع وقوانين تضبط الحقوق فيه، وأهم ما يصاحب هذا الإيمان هو الأمر بوجود قوة تحميه وتحافظ على غرسه في القلوب، لا بل وتسعى في نشره وإزالة العوائق بينه وبين دخوله إلى قلوب أهل الكتاب، ولتكون هذه القوة والأمر بها من أعظم الدلائل أيضًا على الإيمان، لما يصاحبها من خسارة مادية لا يعوضها إلا إيمان العبد بصدق وعد الله بالأجر العظيم يوم القيامة.
وبهذا تكمل شريعة الإسلام حيث لم توجد مثل هذه القوة في الشرائع السابقة وإنما وجد معها البينات فقط وأحيانًا الكتاب والميزان، فكما أن جمهور الرسالات السابقة كان فيهم متبعين ومعرضين معاندين، سيكون من هذه الأمة كذلك، بل وفيها أمر زائد كونها الشريعة الخاتمة الموجهة لعموم البشر، وهي عداء الأمم الأخرى لها، ولهذا وجب على الشريعة لتستمر وجود قوة تحميها، وهو أيضًا إيمان يحدو بصاحبه إلى عمارة الأرض ونفع الخلق، وليس مجرد رهبانية تشبه رهبانية النصارى، الذين أدى بهم عدم وجود قوة تحمي دينهم إلى الفرار به ثم أصابه ما أصابه من التحريف والتبديل.
وتأمل أخي المبارك كيف استنتجنا هذا المعنى المهم من اسم السورة ومحاولة الربط بينه وبين المواضيع التي ناقشتها وهذا من أهم المؤشرات التي تدلك على أهمية علم المناسبات ومقاصد السور، فإن أصبنا فمن توفيق الله وإن أخطأنا من أنفسنا.
فراس الحبال
- التصنيف: