عامٌ فات.. وعامٌ آت

منذ 2019-08-31

عبَرْتُ بفكري عَبْرَ عشرات ملايين الثواني في بعض الثواني، أفتش عن بعض الأعمال؛ لعلي أضعها في سلة الشرف.. صدِّقوني.. كلما تذكرتُ عملا عملتُه، فقلَّبت وجهه، لم أتجرأ أن أتقدم به بين يدي ربي-سبحانه- أو أسأله به..

اليوم؛ و في آخر خطبة الجمعة من رجب؛ ذكّرَنا الخطيب بحديث صيام شعبان حين قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسولَ اللَّهِ، رأيتُكَ تَصومُ مِن شعبانَ، ما لا تَصومُ مِن غيرِهِ منَ الشُّهورِ قالَ:  «هوَ شَهْرٌ يَغفلُ النَّاسُ عنهُ، بينَ رجَبٍ ورمَضانَ، وَهوَ شَهْرُ ترفعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العالمينَ، فأُحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ»(أحمد، المسند، رقم:[21753]). 

فاهتزت مشاعري واقشعر جلدي.. حين تمثلت نفسي وقد قيل لي: اجمع أعمالك منذ شعبان الماضي والتي تريد أن تتشرف بعرضها على الله تعالى...

فعبَرْتُ بفكري عَبْرَ عشرات ملايين الثواني في بعض الثواني[1]، أفتش عن بعض الأعمال؛ لعلي أضعها في سلة الشرف.. صدِّقوني.. كلما تذكرتُ عملا عملتُه، فقلَّبت وجهه، لم أتجرأ أن أتقدم به بين يدي ربي-سبحانه- أو أسأله به..

هذا عامٌ فات.. وهذا عام آت، فهل أثر فينا ما في ذلك من آيات، في الأنفس أو في الأرض والسموات..

أيامنا تُصرِّم أعمارَنا.. أيامُنا أبعاضنا، فإذا ذهبت ذهبت أبعاضُنا، ، تذهب السنون وتعود أخرى.. ولكنّ أيامنا لا تعود.

وكأني أقول: من لي بيوم واحد منها يعود، ثم لا أعود..  لا أعود إلى إضاعته، أو إلى شغله بغير مفيد، ليته يعود، ثم لا أعود.. لا أعود إلى إزهاق أرواح أيامي في تفاهات أو سفاهات.. ثم لا أعود إلى أن أشتري  بها ثمنا بخسا أعمالا أستحيي أن أقدّمها بين يدي ربي سبحانه..

الموقف صعب، واليوم عظيم، {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين:5-6]، يوم عرض هذه الأعمال المرفوعة في شهر العرض، يوم عرضها على الله تعالى يومها نُعطى صحائفنا.. ونطلع على نتائج أعمالنا.. ترى بأيماننا نأخذها أم بشمائلنا ووراء ظهورنا؟! {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ. فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:18-20].

ثم تذكرت إني فعلا قد عدتُ، ولو ليوم واحد أَنْعَمَ الله به تعالى، وأمَدَّ به العمُر، وَرَزَقَ فيه الصحة والعقل.. ورُبَّ يوم غلب ألف يوم، والعبرة بالخواتيم، والسعيد من وُعظ بغيره، فضلا عن أن يتعظ بنفسه فيما فرّطت فرزقها الله توبة فاستدركت...

فهيَّا عباد الله قبل أن يقول أحدنا : ربّ ارجعون؛ فيقال له: كلا إنها كلمة هو قائلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - في العام قرابة: 31536000 ثانية

7/ 5/ 2016

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.