مع القرآن - تسويف الرافضين للشرع عبر التاريخ

منذ 2016-05-18

تسويف الرافضين للشرع وعدم إذعانهم لأمر الله ودفعهم الاعتراض على أفعالهم بأنهم يريدون الاقتناع والفرصة للتأمل وزيادة التفكير.

قديماً كان أمثالهم يطلبون من الأنبياء زيادة الآيات والمعجزات، مع أنهم لم يؤمنوا بما رأوا وشاهدوا وعاينوا. فما الفرق الجوهري بين ما هو مشاهد وبين ما هو مأمول أو مطلوب؟

في الغالب هو مجرد تسويف لتحسين الصورة والانتهاء من إلحاح الرسل وأتباعهم عبر التاريخ.

تأمل هذه الصورة المتكررة والتي كانت بالأمس طلب المزيد من الآيات واليوم إعطاء الفرصة والمهلة للاقتناع والانتهاء عن رفض الشرع واحتمالية تطبيقه في يوم الله أعلم متى يأتي؟!

قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ . وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:109-110].

قال السعدي في تفسيره: أي: وأقسم المشركون المكذبون للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. {بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي: قسمًا اجتهدوا فيه وأكدوه. {لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ} تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم {لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} وهذا الكلام الذي صدر منهم، لم يكن قصدهم فيه الرشاد، وإنما قصدهم دفع الاعتراض عليهم، ورد ما جاء به الرسول قطعًا، فإن الله أيد رسوله صلى الله عليه وسلم، بالآيات البينات، والأدلة الواضحات، التي -عند الالتفات لها- لا تبقي أدنى شبهة ولا إشكال في صحة ما جاء به، فطلبهم -بعد ذلك- للآيات من باب التعنت، الذي لا يلزم إجابته، بل قد يكون المنع من إجابتهم أصلح لهم، فإن الله جرت سنته في عباده، أن المقترحين للآيات على رسلهم، إذا جاءتهم، فلم يؤمنوا بها -أنه يعاجلهم بالعقوبة، ولهذا قال: {قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} أي: هو الذي يرسلها إذا شاء، ويمنعها إذا شاء، ليس لي من الأمر شيء، فطلبكم مني الآيات ظلم،وطلب لما لا أملك، وإنما توجهون إلى توضيح ما جئتكم به، وتصديقه، وقد حصل، ومع ذلك، فليس معلوما، أنهم إذا جاءتهم الآيات يؤمنون ويصدقون، بل الغالب ممن هذه حاله، أنه لا يؤمن، ولهذا قال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}.

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي: ونعاقبهم، إذا لم يؤمنوا أول مرة يأتيهم فيها الداعي، وتقوم عليهم الحجة، بتقليب القلوب، والحيلولة بينهم وبين الإيمان، وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم.

وهذا من عدل الله، وحكمته بعباده، فإنهم الذين جنوا على أنفسهم، وفتح لهم الباب فلم يدخلوا، وبين لهم الطريق فلم يسلكوا، فبعد ذلك إذا حرموا التوفيق، كان مناسبا لأحوالهم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ
المقال التالي
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْم