مع القرآن - وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا

منذ 2016-05-18

ومن حكمة الله تعالى، في جعله للأنبياء أعداء، وللباطل أنصارًا قائمين بالدعوة إليه، أن يحصل لعباده الابتلاء والامتحان، ليتميز الصادق من الكاذب، والعاقل من الجاهل، والبصير من الأعمى.

من سنن الله الكونية أن يجعل لرسل الله وأتباعهم أعداء من شياطين الجن والإنس.

وسيلتهم: أقوال مزخرفة يخدعون بها الأتباع ويسلمونهم لغرور أنفسهم ودنياهم (منظومة مستمرة ومتكاملة من الخداع والغرور).

أما أتباع هؤلاء الأعداء فهم من يصغون إليهم بقلوبهم وآذانهم، ويتأثرون بزخرف قولهم فيتخذونه مبدءًا ومذهبًا ينافحون عنه ويحاربون الكون كله، وأول من يحاربون هو ربهم وخالقهم سبحانه وأولياءه من المرسلين وأتباعهم.


{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ . وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} [الأنعام:112-113].


قال السعدي في تفسيره:


"يقول تعالى -مسليًا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم- وكما جعلنا لك أعداء يردون دعوتك، ويحاربونك، ويحسدونك، فهذه سنتنا، أن نجعل لكل نبي نرسله إلى الخلق أعداء، من شياطين الإنس والجن، يقومون بضد ما جاءت به الرسل.

{يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} أي: يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلًا والباطل حقًا.

ولهذا قال تعالى: {وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ} أي: ولتميل إلى ذلك الكلام المزخرف {أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} لأن عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة، يحملهم على ذلك، {وَلِيَرْضَوْهُ} بعد أن يصغوا إليه، فيصغون إليه أولًا فإذا مالوا إليه ورأوا تلك العبارات المستحسنة، رضوه، وزين في قلوبهم، وصار عقيدة راسخة، وصفة لازمة، ثم ينتج من ذلك، أن يقترفوا من الأعمال والأقوال ما هم مقترفون، أي: يأتون من الكذب بالقول والفعل، ما هو من لوازم تلك العقائد القبيحة، فهذه حال المغترين بشياطين الإنس والجن، المستجيبين لدعوتهم، وأما أهل الإيمان بالآخرة، وأولو العقول الوافية والألباب الرزينة، فإنهم لا يغترون بتلك العبارات، ولا تخلبهم تلك التمويهات، بل همتهم مصروفة إلى معرفة الحقائق، فينظرون إلى المعاني التي يدعو إليها الدعاة، فإن كانت حقًا قبلوها، وانقادوا لها، ولو كسيت عبارات ردية، وألفاظًا غير وافية، وإن كانت باطلًا ردوها على من قالها، كائنًا من كان، ولو ألبست من العبارات المستحسنة، ما هو أرق من الحرير.

ومن حكمة الله تعالى، في جعله للأنبياء أعداء، وللباطل أنصارًا قائمين بالدعوة إليه، أن يحصل لعباده الابتلاء والامتحان، ليتميز الصادق من الكاذب، والعاقل من الجاهل، والبصير من الأعمى.

ومن حكمته أن في ذلك بيانًا للحق، وتوضيحًا له، فإن الحق يستنير ويتضح إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه. فإنه -حينئذ- يتبين من أدلة الحق، وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته، ومن فساد الباطل وبطلانه، ما هو من أكبر المطالب، التي يتنافس فيها المتنافسون".

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْم
المقال التالي
{فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا}