تذوق المعاني - [9] اهدنا الصراط المستقيم

منذ 2016-06-19

فالصراط المستقيم هو الفوز بالدنيا والآخرة، ونستطيع الربط بين كلمة الصراط المستقيم الذي يمثله المنهج وبين الحديث النبوى: «الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ أو بِضْعٌ وستُّونَ شُعبةً، فأفضلُها قول لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ» (الراوي: أبو هريرة، صحيح مسلم [35]).

{اهْدِنَا}

من الهدى والهداية؛ والهداية هى الإرشاد، فالإنسان أشد حاجة للإرشاد وهو يكون عادة للطريق الصحيح.

والهداية نوعان:

هداية دلالة: والمتمثلة في إرسال الرسل كمبشرين ومنذرين ومعلمين، ومن عدل الله ورحمته أن الله لم يحرم منها أحد فما من أمة خلت إلا فيها نذير، كي لا يكون للناس حجة بعد الرسل، فهذه لعامة الناس، ومثل هذا النوع الهداية في قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت:17].

وهذا هو مجال التخيير الذي كُرم به بنو آدم، وهو أن يقبلوا على الله مختارين غير مقهورين، فالعبادة الحقة هي الخضوع مع المحبة وليس القهر، ومن عبد الله قهراً فما عرف الله.

أما النوع الثاني فهو هداية التوفيق أو المعونة: وهذه خاصة بمن قبلوا الدعوة وصدقوا الرسل وأقبلوا على اتباع المنهج الذي جاء به الرسل، فهؤلاء يوفقهم الله ويعينهم ويحببهم في الإيمان والتقوى.

ومن التوفيق أن يطلبوا من الله العون ومزيد من التوفيق والهداية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17].

والمؤمن لأنه كيس فطن فأول ما يهمه وآخره هو الحياة الأبدية حيث النعيم المقيم الذي لا يشوبه ذرة من شقاء أو كدر؛ فلذلك يطلبون من الله أن يرشدهم إلى أقصر طريق يؤدي إليها ألا وهو الصراط المستقيم.

{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

هو الطريق الصحيح الذى يأمن فيه الإنسان على نفسه من الانحراف يمينًا أو يسارًا، والطريق المستقيم فى العرف الأخلاقي هو الاستقامة، والاستقامة هو التزام طريق الخير كليًا وجزئيًا والبعد عن الشر، فذلك منهج حياة شامل متمثل فى علاقة الإنسان بالخالق والخلق قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]، كما قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الاحقاف:13].

وهى آيات جامعة تعبر عن التزام منهج الله القويم المستمد من الكتاب والسنة اللذين لم يدعا كبيرة ولا صغيرة إلا تناولها حتى لا ينحرف المسلم عن الطريق المستقيم، فهى كالعلامات الإرشادية للمرء حتى لا يتحير، فبكل خطوة علامة تدل إلى أين يتوجه وكيف يتصرف، لأن أي إعوجاج في الطريق قد يبدأ صغيرًا ثم ينتهي كبيرًا، وهذا هو أسلوب الشيطان في الاستدراج، وهذا يعني وجوب حرص المؤمن علي التزام المنهج الرباني، هذا المنهج الذى حسدنا عليه اليهود حتى قالوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم أمته كل شئ حتى آداب الخلاء، وهذا المنهج هو الذي يضمن سعادة المرء في الدارين، وهذا هو الذى يثبته على الصراط يوم القيامة يوم تزل الأقدام ويتهاوى أصحاب النفوس المفرطة فى النار.

فسلوك الصراط المستقيم هو الفوز بالدنيا والآخرة، ونستطيع الربط بين كلمة الصراط المستقيم الذي يمثله المنهج وبين الحديث النبوى: «الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ أو بِضْعٌ وستُّونَ شُعبةً، فأفضلُها قول لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ» (مسلم، صحيح مسلم [35]).

لأن تعريف الصراط المستقيم الأساسي هو الإيمان وتطبيقه بالعمل الصالح، أي إيمان بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وذلك هو ما يضمن للمرء -بإذن الله- السعادة فى الدنيا والآخرة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].

Editorial notes: شارك في التنسيق: رانيا قنديل

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

المقال السابق
[8] إياك نعبد وإياك نستعين
المقال التالي
[10] صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين