علماء.. لكسر الحصار

منذ 2010-06-29

حصارٌ ثم رصاصٌ مصبوب، ثم استمرار في الحصار، والقلوب هناك مطمئنة بنصر الله وفتحه القريب، وقلوبنا هنا تفيض بالثورة، وهي مكبّلة إلا من دعاء!


سئمنا... (نشجب... ندين... نطالب... نناشد... نعتبر... نستنكر)!

نتوق... لأفعال لا لأقوال، ومواقف لا شعارات، وخطوات جبارة باتجاه كسر الحصار، لا الارتكاس للدعة والضعف، ولا للركون للوم الحكام والخائنين والمتخاذلين، والبائعي إنسانيتهم وضمائرهم بحفنة من الدنيا زائلة، والراكعين تحت عرش أميركا والكيان الصهيوني!


كل يوم يمر على أهل غزة يزيد الصراع فيه مع الموت، وتكبر في قلوبهم العزة والسكينة، والإصرار على الصمود.


هم يستقون الأجر من إيمانهم وثباتهم، فماذا نجني نحن في المقابل؟ أوتكفينا حرقة الدموع وألم التعاطف؟!


منذ سنوات ونحن ننتظر، فماذا بعد؟

حصارٌ ثم رصاصٌ مصبوب، ثم استمرار في الحصار، والقلوب هناك مطمئنة بنصر الله وفتحه القريب، وقلوبنا هنا تفيض بالثورة، وهي مكبّلة إلا من دعاء!


لم تشفِ غليلنا حتى الآن أفعال على مستوى الأحداث، حتى كان أسطول الحرية، الذي فجّر كل الغضب! تكلم غباء الكيان الصهيوني يومها، فأسمع حتى مَن في أذنه صمم! وأهدانا بحماقة اعتدائه على (مرمرة)، حدَثاً حرّك المياه الراكدة، وأخجل مَن فيهم بعض إنسانية، فهبّوا وأعادوا القضية إلى الواجهة.

ومع أن علماءنا لم يصمتوا طوال الفترة الماضية، إلا أن صوتهم لم يكن بالمستوى المطلوب، ولا أعني صوت الكلمات، وإنما صوت الأفعال، التي تهزّ الأرض والقلوب والأعداء، ليُعيدوا إلى الذاكرة علماء مضوا وكانوا نبراساً للحق، كالعز بن عبد السلام، الذي استحق بأن يكون سلطان العلماء وبائع الأمراء!


يوم السبت، في التاسع عشر من شهر يونيو، كانت طرابلس الفيحاء في لبنان، على موعد مع مهرجان (معاً لكسر الحصار)، الذي نظمه (ملتقى العلماء لكسر الحصار)، و(هيئة نصرة الأقصى في الجماعة الإسلامية). تكلّم في المهرجان الدكتور صفوت حجازي، والدكتور صلاح سلطان، كممثِّلَين عن العلماء، وأعلنا تسيير (سفينة العلماء لكسر الحصار) إلى غزة، مع أسطول الحرية (2)، وستحمل هذه السفينة مئة عالِم أو يزيد، بإذن الله جل وعلا.


دماء العلماء، ليست أغلى من دماء الأتراك التي زكّت البحر الأبيض المتوسط، وأرواح العلماء، ليست أثمن من أرواح الشهداء التي أُزهِقَت، وهمّة العلماء، ليست أضعف من همم الذين هبّوا لنصرة غزة، فغزة غالية، وفلسطين أرضنا.


أبكى العيون صفي القلب صفوت،حين أعلن أنه سيسير إلى غزة، وقد تكون هذه المرة الأخيرة التي يقف فيها بيننا، كما أكّد أن غزة ليست الوجهة النهائية، وإنما بعد غزة القدس.

تحشرج صوته نافياً أن يهنأ بنوم أو طعام، حتى تعود القدس لحظيرة الإسلام، وحين أخبر أن بلاده وإن جارت عليه عزيزة، ثم أعادنا إلى الماضي.


أعادنا إلى الماضي، لنقرأ تاريخنا:
إلى زمن الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، يوم حاصرت قريش المؤمنين في شعب أبي طالب، لثلاث سنوات ونيف: مَن نصرهم يومها؟ المشركون الذين كان في قلوبهم بعض فطرة وإنسانية: هشام بن عمرو بن ربيعة، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة، والمُطعم بن عديّ، وأبو البختري، وزمعة بن الأسود، هؤلاء نقضوا الصحيفة، التي لم يبق منها إلا: (باسمك اللهم)! كل هذا الحصار والتضييق، ليرتدّوا عن دينهم ويكفروا بعقيدتهم، ولكن هيهات!


وها قد مضى اليوم على بدء حصار غزة ثلاث سنوات ونيف، لم يختلف كثيراً سبب الحصار عما كان عليه بالأمس، فهم يرهبون الإسلام الذي يغذّي قلوب أهل غزّة، ويسعون لكسر شوكة حماس، لأنها إن بقيت، ستبطل سِحر الكراسي التي تبهر أعينهم! وكما البارحة، نصر غزة في أسطول الحرية ذاك، وفي سفينة (راشيل كوري) الإيرلندية، من غير المسلمين الكثير. ساءهم أن يجدوا بشراً يعانون الجوع والمرض والموت، فانتصروا لهم، أفتُنقَض مقوِّمات هذا الحصار الغاشم على غزة بأيديهم؟!


ثم أكمل شيخنا، وتكلم عن غزة في زمن السلطان العادل نور الدين محمود، وكان في مصر يومها وزيران: (شاور وضرغام)، حيث أمر الصليبيون أذنابهم من الخونة شاور وضرغام بحصار غزة، علّ أهلها يستسلمون فيتركوا أرضها، وحاصر شاور أهل غزة، وحين سقط شاور قام ضرغام بتكملة المهمة، وحين إحكام الحصار أكل أهل غزة القطط والكلاب، ولمزيد تضييق أخذ جواسيس ضرغام يهرّبون الكلاب والقطط إلى محافظة الشرقية في مصر، ويُطلِقونها هناك، فانتبه أهلها لذلك حين كثُرت في منطقتهم، وعرفوا حينها أن أهل غزة في حصار، فسار إليهم رجل اسمه جلال الدين الشرقاوي، لا يملك إلا بقرة وجاموسة، اخترق الحصار، ونحر كل ما يملك في غزة وأطعم أهلها، وحين علم ضرغام بذلك أعدمه، فكان (شهيد فك الحصار).


لما علم نور الدين محمود، أرسل إلى أسد الدين شيركوه، وتم القضاء على شاور وضرغام والدولة الفاطمية، وفُكّ الحصار عن غزة!


ليست هذه الحقائق صدفة، وليس تشابه اليوم بالأمس بدعة، تاريخٌ يُعيد نفسه، وخيانة متماثلة، وثبات متقارب.


وسيُفكّ الحصار، وستسير أساطيل الحرية إلى غزة تباعاً، ولم يعد يرهبنا عتاد الكيان وهمجيته، فقد كشف النقاب عن جبنه وضعفه، فمَن يلجأ للقوة والسلاح والعربدة العسكرية هو أضعف الضعفاء، ومَن يمّم قلبه وعقله وروحه نحو السماء، بيده أعتى قوة، هم ليسوا سواءً.


وطالما أن النخوة تململت حتى في قلوب الذين لا يدينون بدين الله جل وعلا، فهناك أمل فيمن سواهم!


صبراً أهل غزّة، فالأيام دُوَل، والله جل وعلا يصطفي مَن كانت عزائمه لا تخور، وكلٌّ يُبتلى على قدر إيمانه، فهنيئاً لكم هذا الاصطفاء!


وإنّا على موعد، بإذن الله جل وعلا، يوم الخامس عشر من شهر يوليو، مع انطلاق (سفينة العلماء لكسر الحصار)، لينالوا إحدى الحسنيين، فإما نصرٌ، وإمّا شهادة!
 

المصدر: سحر المصري - طرابلس - لبنان