تذوق المعاني - [30] الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم – الاستعاذة من الهم والحزن – لا حول ولا قوة إلا بالله
الكسل مؤدٍّ إلى العجز ولا بد، حيث إنه يمنع المرء من الخروج من منزله وحيِّه لغرض الإصلاح والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يمنع المرء من الحركة إلى المساجد وطلب العلم، بل قد يمنعه من الحركة في بيته لتربية أولاده ومراقبتهم، ومَن كان حاله كذلك فهو العاجز عجزاً كلياً، نسأل الله السلامة والعافية.
1. الصلاة على النبي: «من صلى علي حين يصبح عشراً، وحين يمسي عشراً، أدركته شفاعتي يوم القيامة» (الترغيب والترهيب رقم [1/314]).
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، والمراد: تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته، وتشفيعه، في أمّته وإبدال فضيلته بالمقام المحمود أن ذلك سمي صلاة منا لسؤالنا من الله أن يصلي عليه، فصلاة الله عليه: ثناؤه لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه: سؤال الله تعالى أن يفعل ذلك.
{صَلُّوا عَلَيْهِ}: ادعوا ربكم بالصلاة عليه.
2. الاستعاذة من الهم والحزن: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ لأبِي طلحةَ: «التمِسْ غلامًا من غِلمانِكُمْ يَخْدُمُني»، فخرج بي أبو طلحةَ يُردِفُني وراءَهُ، فكنتُ أخدُمُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم كلَّمَا نزل، فكنتُ أسمَعُهُ يُكثرُ أن يقولَ: «اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من الهمِّ والحزَنِ، والعجزِ والكسلِ، والبخلِ والجبْنِ، وضَلَعِ الديْنِ، وغلَبةِ الرجالِ» (صحيح البخاري [5425]).
الهمّ: المكروه المؤلم على القلب على أمر مستقبل يتوقعه.
الحزن: المكروه المؤلم على القلب على أمر قد مضى.
العجز: عدم القدرة على أن تفعل شيئاً.
الكسل: بإمكانك أن تفعل هذا الشيء، ولكنك تتوانى عن فعله.
الجبن: هو عدم الشجاعة، وأن يمتنع الإنسان عن فعل ما ينبغي عليه فعله خوفاً على نفسه.
البخل: هو منع ما يجب بذله.
ضَلع الدين: أصل الضلع وهو بفتح المعجمة واللام: الاعوجاج، يقال: ضلَع - بفتح اللام - يضلع: أي مال، والمراد به هنا ثِقل الدين وشدّته، الذي يميل بصاحبه عن الاستواء.
غلبة الرجال: شدّة تسلّطهم وقهرهم بغير حق تغلباً وجدلاً.
استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور؛ لأنها منغصات للحياة، من جميع الوجوه، في النفس، والجسد، والعقل، والقلب.
قوله: «اللَّهم إني أعوذ بك من الهم والحزن»: استعاذ منهما لما فيهما من شدة الضرر على البدن، وإذابة قواه، وتشويش الفكر والعقل، والإنشغال بهما يفوِّتان على العبد الكثير من الخير، وانشغال الفؤاد والنفس عن الطاعات والواجبات، هذا إن كان الهمّ والحزن في أمور الدنيا، أما همّ الآخرة، فهو محمود؛ لأنه يزيد في الطاعة، ويبعث النفس على الجدّ، والعمل، والمراقبة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا: هَمَّ الْمَعَادِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ في أَحْوَالِ الدُّنْيَا، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ» (صحيح ابن ماجه [3330]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ» (صحيح الجامع [6510]).
الكسل مؤدٍّ إلى العجز ولا بد، حيث إنه يمنع المرء من الخروج من منزله وحيِّه لغرض الإصلاح والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يمنع المرء من الحركة إلى المساجد وطلب العلم، بل قد يمنعه من الحركة في بيته لتربية أولاده ومراقبتهم، ومَن كان حاله كذلك فهو العاجز عجزاً كلياً، نسأل الله السلامة والعافية.
العجز والكسل هما قرينان، فإن تخلف كمال العبد وصلاحه عنه، إما أن يكون لعدم قدرته عليه فهو عجز، أو يكون قادراً عليه لكن لا يريد فهو كسل، وينشأ عن هاتين الصفتين فوات كل خير وحصول كل شر، ومن ذلك الشر تعطيله عن النفع ببدنه وهو الجبن واستعاذته من «الجبن»: وهو مهابة للأشياء يؤدي إلى عدم الوفاء بكثير من الواجبات وحقوق اللَّه تعالى، كالقتال في سبيله، وعدم الجرأة في الصدع بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم مخالفة هوى النفس والشيطان.
وكذلك عدم النفع بماله وهو البخل، وهو التقصير في النفقة على من تجب عليه نفقتهم ابتداءً، والتوسعة عليهم قدر استطاعته، ثم النفقة في سبيل الله والمساهمة بالمال في كل أبواب الخير المعروفة.
قوله: «وضلَعَ الدين»: أي شدّته وثقله، حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال؛ فلهذا استعاذ منه صلى الله عليه وسلم لما فيه كذلك من شغل العبد عن القيام بالعبادة على الوجه الأكمل، والوقوع في المحذورات الشرعية كما سبق، مثل: الإخلاف في الوعد، والوقوع في الكذب.
واستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم «من غلبة الرجال»: وهو تسلّطهم، وظلمهم، وغلبتهم بغير الحق، يؤدي إلى وهن النفس، وضعفها، وإلى الذلة والهوان، فيفتر عن الطاعة والعبادة لما يوقع في النفس من الخور والأحزان، والأوهام، الذي قد يؤدّي إلى الحقد، والانتقام.
فينبغي لكل مؤمن أن يُعنى بهذا الدعاء الجليل، فنحن في أشدّ الحاجة إليه في زمننا هذا، وقد تكالبت علينا الهموم، والغموم والأعداء من كل مكان، فنسأل اللَّه السلامة في ديننا ودنيانا.
3. لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ: كنا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفَرٍ، فكنا إذا عَلَونا كبَّرنا، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أيُّها الناسُ اربَعوا على أنفسِكم، فإنكم لا تَدْعونَ أصمَّ ولا غائبًا، ولكنْ تَدْعونَ سميعًا بصيرًا»، ثم أتى عليَّ وأنا أقولُ في نفْسي: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، فقال: «يا عبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ، قُلْ: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، فإنها كَنزٌ من كُنوزِ الجنةِ»، أو قال: «ألا أدُلُّكَ على كلمةٍ هي كَنزٌ من كُنوزِ الجنةِ؟ لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ» (صحيح البخاري [6384]).
فلا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر، وقيل: لا حول للعبد في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه.
فإن المعنى لا تحول للعبد من حال، إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلابالله.
لا تحول للعبد من الذل إلى العزة إلا بالله، ولا قوة إلا بالله: أي ولا يعينك على هذا التحول إلا الله.
لا تحول من المعصية إلى الطاعة إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله.
لا تحول من المرض إلى الشفاء إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله.
لا تحول من الفقر إلى الغنى إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله.
لا تحول من العزوبة إلى الزواج إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله.
لا تحول من الفشل إلى النجاح إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله.
لا تحول من الهزيمة إلى النصر إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله.
فإن أعياك الذل لغير الله فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، واضمر هذا المعنى في قلبك خاصة أثناء التلفظ بهذا الذكر، وقس على ذلك التحول من المعصية إلى الطاعة، والتحول من المرض إلى الشفاء، والتحول من الفقر إلى الغنى، التحول من العزوبة إلى الزواج، والتحول من الفشل إلى النجاح، والتحول من الهزيمة إلى النصر، وقس على ذلك أيضاً كل أمر يهمك بأنك تكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، مضمرًا هذا المعنى الذي سبق ذكره في قلبك، واحرص على تواطؤ قلبك مع لسانك، والله المستعان، وعليه التكلان.
سهام علي
كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.
- التصنيف:
- المصدر: