كوني خديجية - كوني يا حَبيبة مِثلَهُنّ

منذ 2016-08-04

و إن قُلتُ قَبلاً أنّ شِقّ روحك إنّما الى لينِك بين يدي شِدّته يَصبو و يِميل..وتهفو روحه إلى وداعة روحك و بها تستكين..

فَحَرَيٌّ بي أن أحكي لكِ يا حبيبة ..حكايا الأَوَّلين..

من ترنو إليهِم قلوب الصادقين. .و تتسلَّى بسيرتهم أرواح المُحِبّين..

ذلك أن المَرأة فيهم كما كانَت ستراً يُحمي من قائظ الأيّام.. و سحابّة سَخِيّة تروي عطش الأنفس بالحُنانِ الوفيرِ و الحُبِّ الكَثير..

فَلقد كانت العِماد الذي على أصلِهِ قامَت لَبِناتُ الحيّاة..و الكَتِفُ الذي لم يَستَنكف و لم يتردد أن يحمِلَ أمانة إعمار الدُّنيا..لأجلِ الآخِرة..

و هي التي تُقبِلُ راضية باسمة على ما تَخِرُّ أمامه الجِبالُ من شِدّّةِ وطأتِهِ هَدّا..

فهي تَنظُرُ للضِفّة الأُخرى..و لا تبغي غير عون الذي في السّماءِ مِددا..

و نَظرة رِضا من نصيفِ الروحِ تبغي بها رضا الذي على العرشِ استوى..

أوَ تَذكُرينَ سيرة بَدر التَّمام..

خديجة الاسمِ يحدوها الكَمال.. لما سارَعَ إليها الحبيبُ و قد أحاطت به مهابة لحظةٍ.. ما عادَ الكونُ بعدها كما كان من قبل..

فأقبل إليها يقولُ زَمِّلوني.. دَثِّروني..

فما تَرَكته إلا و قد أجابت سُؤله.. و دَثَّرَت جسده و أدفَأَت روحه..

و ألقَت عليه مَحَبّة منها و ثقة و يقين..

أَنَّ مثله.. لن يُضيعه رَبُّ العالمين..

و كانت هي الأُمُّ و الزَّوجُ و العَضُد و السَّنَد..

صَدَّقته حين كَذَّبه الناس..

و أعانته بالكلمة و الفعل و القَلبِ و الروح..

فَكانَت السَّكينَةُ و السَّكَن..

و الزّادُ للرحلة و الراحِلة..

فما كان جزاؤها إلا السلام من رَبِّ السلام.. و بيتٌ من قَصَب.. لا نَصَبَ فيه و لا وَصَب..

أو تلك التي لَبّى وليفها الداعي..أن يا خيل الله اركَبي..

فَخَرَجَ و أسرَع..و تَرَكَ بِضعَةً منه الحُمّى تُصارِع..

فَلَمَّا استَرَدَّ صاحبُ العاريةِ عارِيَته..و احتسبت مكلومة الفؤاد ولدها و استرجعت..

لِبَعلها ازَّيَنَت..و كانت له يوم المآبِ من أرض الطِّعانِ المُستَراحَ و الشِّفا.. 

هل فَكَّرتِ قبلاً..

كيفَ كانت تلك الكريمة تَشعُر..و أيّ قُوّةٍ نَبَعَت من روحها.. لِيُواري الغَيبُ ابن فؤادها..فَتَكتُمُ دَمعها و تتهَيَّأُ لزوجها كَعَذراء في يَومِ عُرسها..

رغم آلامِ الروح ِحسبَةً للذي فَوقَ السّما..؟ 

و كيفَ جزاها اللهُ بالرِّضا..باجابةِ دعوة النّبيِّ لها ..بِعَشرٍ من الولدانِ مُبارَكين ..من صُلبِ ابنِ ليلة فجيعتها..؟

و ماذا عنِ الحسيبة النَّسيبة ..

تلك التي أتانا خبر صمودها ذات يَومٍ عَصيب.. يَثبُتُ بينَ رُحى كَرِّهِ و فَرِّهِ من يَثبُت..و يُدبِرُ عن موطن الصِّدقِ حينها من يُدبِر..

لَمّاَ عَدى الباغي على خِدرِ الحَرائر ..مَظَنّةَ الضَّعفِ و الوَهَن..و استهانةً بِحَزمٍ رابِضٍ خَلفَ الجُدرانِ و السُتّور..

فما كان جَوابُ اجترائه.. إلا رأسه من فوقِ السّورِ أُلقِيَت تتدحرَج..تُبَشِّرُ من يُحِبُّ و تُنذِرُ من يَكرَه..

أن خلف السّورِ أُسدا..ذات قُوةٍ من معينِ الله ترتوي و بِحَبلِهِ تعتصم..

أُسدا تَذودُ عن حِياضِ الدينِ و إن لَم تَزير..

و عُنفوانٍ ما اعتُدِيَ على حِمى المَلِكِ و إن كانت بين خَلقِهِ لا تَبين..

هُنَّ بعضُ نَجماتِ الهُدى..

و ذِكرُ أخَواتِهِنَّ في رياضِ السيرة لمن ابتغى أكثَرُ و أغزَر..

فَبِمِثلِهِنَّ يُحتَذى..و بمسيرَتِهِنَّ يُقتَدى ..
و لِمُداناةِ مَكانَتِهِنَّ يُبذَل..

إن رُمتِ يوماٍ رِفقَتَهُنَّ في الجَنّة..

فَكوني يا حَبيبة مِثلَهُنّ..

كوني خَديجِيّة..!

 

بسمة موسى

مهتمة بالقراءة في مجالات مختلفة والمجال الأدبي خاصة بفروعه المختلفة

المقال السابق
كَإناءٍ من الفُخار