كوني خديجية - كَإناءٍ من الفُخار

منذ 2016-07-24

الماءُ يا بُنَيّة.. قُوَّةُ ضارِبة.. لكنها ناعِمة.. تستَميلُ المَدى ويُعاوِنها الزَمَن.. وتُنبِتُ الشَّجَرَ وتَثقُبُ الصَّخرَ وتُعيدُ زهوَ الحياةِ لمن لا يُرتجى منهُ إلا الذُّبول.. بأمرِ رَبّها ولو بَعدَ حين..!

كَإناءٍ من الفُخار هو..! ذاكَ هو صِنوَ روحِك..

من طَميٍ لَيِّنٍ خُلِق.. و لَفَحته النّارُ حتى صارَ صَلباً .. يَبدو قَويّا لا يُبالي بما بَعدُ سَيُلاقي .. والحَقُّ أنّه ما زالَ يَحمِلُ بداخله مَسحة الطَّمي الرَّحيمِ الذي منهُ تَشَكَّل..

يَخرُجُ شِقُّ الفؤادِ يَسعى.. و يَترُكُ عطش روحه بين يديك..
ويحاولِ العالَمُ الذي يَخرُجُ إليهِ أن يُزَعزِعَه.. يُعيدَ تَشكيله.. أو يُحَطِّمهُ إلى قِطَعٍ صَغيرة..!

وَحدَكِ من سَيَمُدُّه بَنَبعٍ يروي عَطَشَ روحه ويَزيدُ صلابَتَهُ صلابة.. وقُوَّتَه قُوّة..

فالماءُ يا بُنَيّة.. قُوَّةُ ضارِبة.. لكنها ناعِمة.. تستَميلُ المَدى ويُعاوِنها الزَمَن.. وتُنبِتُ الشَّجَرَ وتَثقُبُ الصَّخرَ وتُعيدُ زهوَ الحياةِ لمن لا يُرتجى منهُ إلا الذُّبول.. بأمرِ رَبّها ولو بَعدَ حين..!

وَحدَكِ من سَيستَمَعُ ويَتَفَهَّمُ ويَحتَوي.. ويُحيلُ الغُربَةَ التي يلاقيها بين أَظهُرِهم.. سَكَناً وسَكينةً بين جُدران بيتك وجوانِحك..

وحدك من سَتُعيدين تَرميم تلك الشُروخِ والتَّصَدُّعات.. وستَرتِقينها بالحنان والاحتواءِ والبَسَمات..

وحدك من ارتَضى أمامها أن يَكشِفَ روحَه ويُشيرُ إلى نقاط الضَّعفِ والوَهَن.. ويَقولُ إنما أنا بَشَر..!

كما يقولُ الطِّفلُ لأُمِّه.. أُمّاهُ ضُمّيني.. فأنا خائِف..!

فما عساه بمقالَتِهِ ابتغى سوى رحمتك.. وما الذي دَفَعَه أن يَضَعَ مُهجَتَهُ بينَ يديكِ ابتداءً سوى صدقُ مَوَدَّتك..؟

وما عسى ذلك القَويّ الذي ارتضيتِ الحياة به ومعه.. وفي الخِصامِ هو مُبينٌ يَنشُد.. سوى أن تَكوني على فِطرَتِك الرّحيمة.. وضَعفك الجِبِلّي..

وأن لا تَمنَعي نهراً جارياً بقلبك وسجاياكِ أن يَفيض.. ما أَذِنَ اللهُ إلا بجَريانِه وعُمومِ خَيرِه.. وجعله سبباً وأسباباً لاستقامة حياة الإنسانِ على طريق العبادة.. ولذلك خُلِق..!

فَكَيفَ إذا أَقبَلَ الظَمآنُ يُمَنّي نَفسَهُ بالرَّواء.. من عَذبٍّ وافِرٍ سَلسَبيلٍ طاهِر.. فَلَمّا أتاهُ وَجَدَه شَحيحا.. غَلَبَت عليهِ شِقوة اليَمِّ فَصارَ مثله مالحا..!

فلا الظمآنُ ارتَوى.. ولا استَظَلَّ المُرهَق.. ولا زادَ هَجيرُ الجَفاءِ ابنَ الطَّميِ إلا قَسوَةً مُنذِرةٍ بتَحَطُّمٍ وإيلامٍ لا يَذَر..

ولا عَجَبَ هناك ولا مَلامة.. ففاقِدُ الشَّيءُ ومُفتَقِدُه.. لا يُعطيه وإن أَراد..!

والحَياةُ يا بُنَيّة.. أَدوارُنا فيها معلومةٌ ومُقَسَّمة.. والذي سَعى لِغيرِ قِسمَتِهِ ما بَلَغ وما أدرَك.. وما ذاقَ لَذَّةَ الحَياةِ التي لأَجلها خُلِق..

فلا تكوني يا حبيبةُ إلا رافداً.. عن يمينه وشمالِه الخَيرُ والنِّعَم..

يُزهِرُ عالمك الصَّغيرُ وتُرى آثار خيرِك وينتشرُ عَبير رَوضِك..

وأنتِ العفيفةُ الكريمةُ المَصونةُ المكنونَةُ بقلبِ خِدرِك..

كوني نُقطة الماء التي تحنو وتَرحَم.. وتَحوي بقلبها قوةً تُغَيِّرُ بها الدُّنيا..

كوني خَديجِيّة..!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

بسمة موسى

مهتمة بالقراءة في مجالات مختلفة والمجال الأدبي خاصة بفروعه المختلفة

  • 2
  • 0
  • 3,137
المقال السابق
لله دَرُّك يا حَبيبة..!
المقال التالي
كوني يا حَبيبة مِثلَهُنّ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً