من سيختار جوار الله ؟!
ثم إن أبا بكر -رضي الله عنه- دخل مكة في جوار ابن الدغنة على أن يصلي في جوف بيته، ولا يؤذي قريشا بتلاوة القرآن !
لكنه جعل له مصلى بفناء البيت، وكان يقوم يصلي فيه، فيجتمع المارة على صوت نشيجه وشهقات خشوعه .. يتعجبون أن في الدنيا كلاما قد يوصل البشر لهذه الحالة من الصفاء والانعزال التام عن قوانينها ..
وخافت قريش من تلك الدعوة بمجرد صدق الدموع !
وجاء ابن الدغنة يلوم الصديق على إحراجه مع قريش .. فرد أبو بكر عليه جواره .. وقال له بصرامة: بل أختار جوار الله ..
ولم يمر يوم حتى عاد سفهاء مكة يؤذونه ويعتدون عليه (وهو الشريف الكريم) من جديد !
كل حسابات الدنيا تقف عاجزة أمام هذا الاختيار ..
قد كان بوسعه أن يرى هذه الحماية منحة ربانية سيهنأ في كنفها بالطاعة الفردية والدعوة السرية .. دون أذى ومشاكل ..
لكن هيهات ..
إنها المعادن التي تبين أصيلة عند المنعطفات .. إنها النفوس التي استحقت الصحبة عن جدارة .. إنها المواقف التي كانت -بحق- لله .. فسجلها التاريخ !
باب قلبك المغلق عليك ولسانك المستعيذ من الفتنة مع كل نٓفٓس، السليم من ذوقان طعم النفْس أكبر النعم في هذا الزمان الذي تحياه .. الكلام سهل يسير، والانتقاد للجميع عذب نمير، والصراخ بحماس ما أبهاه .. لكن عند الحسم ( من سيختار جوار الله ؟!)
محمد عطية
كاتب مصري
- التصنيف: