مسلكيات - (2) خطان متوازيان

منذ 2016-12-01

إنَّ الانشغالَ بالعلم المُجرَّد عن تهذيبِ السلوك يورِثُ آفاتٍ قلبيَّةً باطنةً هي أخطرُ من آفاتِ الجوارحِ الظاهرة. والانشغالُ بالثاني عن الأول ضلالٌ يوردُ صاحبَهُ سبيلَ التيهِ والعَمى.

دعوةُ نبيّنا عليه الصلاةُ والسلامُ تقومُ على ساقين: "يزكّيهم ويعلمُهم". 
فالتزكيةُ لن تكونَ بغير علم، والعلمُ النافعُ لا يتحصَّلُ إلا بالتزكية، وهكذا فالعلاقةُ بينهما طرديَّة، زيادةُ أحدِهما تؤثّرُ في زيادةِ الآخَر، ونُقصانُهُ يؤثّرُ في نقصانِه، وارتقاءُ سُلَّمِ الصلاحِ إنَّما يكونُ بتَناوبِ الخُطوتين ومُحالٌ أن يكون بقَدَمٍ واحدة. 
إنَّ الانشغالَ بالعلم المُجرَّد عن تهذيبِ السلوك يورِثُ آفاتٍ قلبيَّةً باطنةً هي أخطرُ من آفاتِ الجوارحِ الظاهرة. 
والانشغالُ بالثاني عن الأول ضلالٌ يوردُ صاحبَهُ سبيلَ التيهِ والعَمى. 

والناسُ هنا أربعَة:
أكملُهم، مَن جمَعَ بين العلم والتزكية، وهو سبيلُ أهل الهدى والرشاد، فهو يعلَمُ، ويعمَلُ بما يعلمُ فيورثُهُ اللهُ علمَ ما لم يعلم، فهو يتَّقي اللهَ ويُعلّمُهُ اللهُ. 

وشرُّهم مَن فقدَ الثنتَين، فلا رشادَ عقلٍ ولا صلاحَ نفس، وأولئك كالأنعام بل هُم أضلّ. 
والثالثُ، وهو حالُ طُالبِ المسائل والفروعِ العلمية، الذي حظُّهُ منها الحِفظُ والسَّردُ، ولا نصيبَ له في التزكيَةِ والسلوك، فأعراضُهُ الفتورُ والجَفاء، وكثرةُ المِراء، وقسوةُ القلبِ، وجفافُ العَين، وثِقَلُ الطاعة. 

والرابعُ هائِمٌ على وجههِ في السَّعي لغاياتٍ ومقاماتٍ عالية، يسمعُ عنها ويُمَنّي النفسَ بها ولا يعرفُ مسالكها التي توصلُ إليها، وقد يُفني عمُرَهُ مُراوحاً مكانَه.

والخلاصَة:
العلمُ بلا تزكيةٍ جَفاء. 
والتزكيةُ بلا علمٍ هَباء.
والعلمُ مع التزكيةِ قُرْبٌ وهَناء.

 

جمال الباشا

مؤهلات الشيخ جمال بن محمد الباشا: ماجستير في القضاء الشرعي، دكتوراه في الفقه وأصوله، رسالة الدكتوراه في السياسة الشرعية، مدرس في أكاديمية العلوم الشرعية.

المقال السابق
(1) الخبيران
المقال التالي
(3) التزكية: تنقية وترقية