مع القرآن - لن أتبع حتى أقتنع!!!!
من آمن بلقاء الله فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به، لأنه حسن القصد
- اقنعني ... لن أتبع أو أذعن حتى أقتنع ....
قلت: عجيبٌ أمرك يا هذا فهل نترك الشرع بسبب قصورٍ في فهمنا أو نقصٍ في عقولنا وإدراكنا، من يضمن لنا أن نلقى الله بعد أن نهتدي، من يضمن لنا النجاة وقد تنتهى أعمارنا ولم نفهم بعد، بسبب قصور فينا؟
- مطلوب منك حتى أقتنع أن توفر من الشرع بديلاً عصرياً يضمن لي التنعم بكل ما أنا فيه دون أن تُعَقدوا علينا الدنيا بالحلال والحرام .
والرد على كل هذا ميسورٌ لمن اهتم وتأمل، فنفس المواقف ونفس الجمل قيلت من قبل مع اختلاف الأشخاص والألفاظ فقط .
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 15 - 17].
قال السعدي في تفسيره: يذكر تعالى تعنت المكذبين لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم إذا تتلى عليهم آيات الله القرآنية المبينة للحق، أعرضوا عنها، وطلبوا وجوه التعنت فقالوا، جراءة منهم وظلما: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} فقبحهم الله، ما أجرأهم على الله، وأشدهم ظلما وردا لآياته.
فإذا كان الرسول العظيم يأمره الله، أن يقول لهم: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي} أي: ما ينبغي ولا يليق {أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي فإني رسولٌ محض، ليس لي من الأمر شيء، {إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} أي: ليس لي غير ذلك، فإني عبدٌ مأمور، {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فهذا قول خير الخلق وأدبه مع أوامر ربه ووحيه، فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين، الذين جمعوا بين الجهل والضلال، والظلم والعناد، والتعنت والتعجيز لرب العالمين، أفلا يخافون عذاب يوم عظيم؟!!.
فإن زعموا أن قصدهم أن يتبين لهم الحق بالآيات التي طلبوا فهم كذبة في ذلك، فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، تابعا لحكمته الربانية، ورحمته بعباده.
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا} طويلاً {مِنْ قَبْلِهِ} أي: قبل تلاوته، وقبل درايتكم به، وأنا ما خطر على بالي، ولا وقع في ظني.
{أَفَلا تَعْقِلُونَ} أني حيث لم أتقوله في مدة عمري، ولا صدر مني ما يدل على ذلك، فكيف أتقوله بعد ذلك، وقد لبثت فيكم عمرًا طويلًا تعرفون حقيقة حالي، بأني أُميٌ لا أقرأ ولا أكتب، ولا أدرس ولا أتعلم من أحد؟!!
فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن -مع هذا- أن يكون من تلقاء نفسي، أم هذا دليل قاطع أنه تنزيل من حكيم حميد؟
فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب، لجزمتم جزما لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذ أبيتم إلا التكذيب والعناد، فأنتم لا شك أنكم ظالمون.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ}؟!!
فلو كنت متقولًا لكنت أظلم الناس، وفاتني الفلاح، ولم تخف عليكم حالي، ولكني جئتكم بآيات الله، فكذبتم بها، فتعين فيكم الظلم، ولا بد أن أمركم سيضمحل، ولن تنالوا الفلاح، ما دمتم كذلك.
ودل قوله:{قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} الآية، أن الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله وعدم رجائه، وأن من آمن بلقاء الله فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به، لأنه حسن القصد.
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: