مع القرآن - الدنيا: الخدعة الكبرى

منذ 2016-12-04

الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان

هكذا تكون الخدعة ومن هنا مكمن الخطر وموضعٍ من أهم مواضع الاختبار: زينةٌ وزخرفٌ ولمعانٌ براق يخطف القلوب والأبصار، فإذا تعلقت به وتوهج الفؤاد إذا بالبريق يخبو فجأة وتنطفيء الأنوار إما بزوال الزخرف أو بزوال صاحبه عنه، وهنا يتبين من جعلها في يده غير مكترثٍ ببهائها ممن جعلها في قلبه فاحترق القلب حزنًا عليها وقد نسي أن الآخرة أبهى وما ينتظر المؤمن فيها أكمل وأجمل، ولكنه الإنسان، وهذه  قصته:
  {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24] .
قال السعدي في تفسيره: وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابقٌ لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها.
فذلك {كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ} أي: نبت فيها من كل صنف، وزوج بهيج {مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ} كالحبوب والثمار {وَ} مما تأكل {الأنْعَامُ} كأنواع العشب، والكلأ المختلف الأصناف.
{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} أي: تزخرفت في منظرها، واكتست في زينتها، فصارت بهجة للناظرين، ونزهة للمتفرجين، وآية  للمتبصرين، فصرت ترى لها منظرًا عجيبًا ما بين أخضرٍ، وأصفرٍ، وأبيضٍ وغيره.
  {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} أي: حصل معهم طمع، بأن ذلك سيستمر ويدوم، لوقوف إرادتهم عنده، وانتهاء مطالبهم فيه.
فبينما هم في تلك الحالة {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ} أي: كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا، سواءً بسواء.
{كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ} أي: نبينها ونوضحها، بتقريب المعاني إلى الأذهان، وضرب الأمثال {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي: يعملون أفكارهم فيما ينفعهم.
وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان.
أبو الهيثم
#مع_القرآن

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
"إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ"
المقال التالي
النعمة تنسي وتغر