عن حلب وأخواتها (2)
"وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"
عندما تسمع ربك يقول لك {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} [البقرة جزء من الآية: 251] فهذه الكلمة واسعة المدلول والمدى، فهي تعني أن الله تعالى يدبر مدافعة المجرمين بالمسلمين، والكفار بالمؤمنين، والباطل بالحق..
ومع أن الله تعالى يتولى هذا الدفع فهو تعالى شاء وقدّر أن يكون من خلال أسبابٍ مادية وقدرات البشر وأن نجد نتيجة أخطائِنا وقصورنا وتقصيرنا..
وما قدّره تعالى من نصر وتغيير فهو مبنيٌ على جهدٍ بشري ومدافعةٍ بشرية كذلك.
سنجد أثرًا للخيانة وأثرًا للمؤامرة وأثرًا للأنانية وأثرًا للتفرق وأثرًا للقصور وأثرًا لبطء الاستجابة لما ينبغي أن يكون.. سنجد أثرًا للسنن الجادة حين نقصر في شأنها.. من قوة السلاح أو وحدة الصف أو إعداد الحسابات والتصرفات لكل الأمور.
لكننا أيضًا سنرى أثرًا ليد الله تعمل ولرحمته تشمل ولنعمته تسبغ ولكيده لصالح أوليائه ينفذ، وسنرى بعثًا بعد بعث وسريةً بعد أخرى وموجةً إثر موجة، واستبدالا وتغييرًا، وسنرى من يتجاوزه الزمن والأحداث وآخرين يدفع الله بهم.. «لا يزال الله يغرس لهذا الدين غرسا يستعملهم بطاعته». (السلسلة الصحيحة " 5 / 571)
لن تخلو الأحداث من هذا ولا ذاك..
فالأول: يوجب التعبد والكياسة وأخذ الأسباب ولملمة الشتات وتنقية القلوب وتهذيب النفوس وحسن التصرف وقوة البأس وسعة الحيلة، وغيرها مما نحتاجه..
والثاني: يوجب الثقة والاطمئنان واليقين والتوكل وحسن الظن، والتطلع دائمًا نحو السماء.. الله الله.
لو تركت الجانب الأول فأنت مُقصِر وملوم، وكنت كمن طلب الزرع بغير بذر، ولو تركت الثاني فأنت مقصِر وملوم فالله مهيمنٌ على كل شيء.. ولو شاء ربك ما فعلوه.
وكل هذا هو معنى قوله تعالى {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود جزء من الآية: 123]، وكل هذا منظورٌ إليه {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود جزء من الآية: 123]
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: