انتصاراتٌ موهومة.. في أي جانب؟
يوم أن نجعل نصر العدو موهومًا
- كابول والتحرير وعدن
- قتل السفير الروسي
- يوم أن نجعل نصر العدو موهومًا
ثمة أيام نصرٍ مبدئية، لا تلبث أن تنعكس تلك الأيام على المسلمين؛ تعطي انتشاءً بنصرٍ مُتوهَم، ثم تتبين الحقيقة بأننا لا نملك الأوراق، وأن عدونا أطول نفسًا وأحكم تدبيرًا وأصبر على خبثه وفجره وأعمق تفكيرًا وأكثر إحصاءً وتسجيلًا وأضبط أرقامًا، وأكثر دأبًا ومثابرةً على مر الأيام حتى تعود إليه الجولة..
دخل المجاهدون الأفغان كابول؛ فرح الناس، وبكى بعضهم من الفرحة وسجد الكثير شكرًا، ولم يدْر أحد أن هذه الفصائل مُخترقة وأن الأوروبيين مدوا جسورًا وعملاء في قلبها.. يومها كتب ربّاني أننا سنكمل هدفنا ونقيم دولةً تقيم شريعة الله لن نستجيب للفُرقة ولا لمن يصرفنا إلى دولةٍ علمانية، ثم لم يلبث أن ذهب ولم يعد.
فرح المصريون وغادروا ميدان التحرير 11 فبراير واستأمنوا على ثورتهم غيرهم، فتلاعب بكل شيءٍ، وانقلبت الأفراح ونُكس كل شيءٍ وعادوا حيث كانوا.
حتى دخول قوات التحالف العربي عدن ظنًا أنهم أنجزوا شيئًا، وفرح اليمنيون بذلك، لكنهم غرقوا في تفاصيل ولم يجدوا أمْنًا ولا تنميةً ولا استكمالًا للتحرير ولا شيء، ووجدوا المؤامرات من الجميع حتى من فِرق الداخلين أنفسهم.
ثم بلغ من ضعف المسلمين الفرح بأحداثٍ جزئية وانتقامٍ جانبي يستفيد منه الخصم، ففرح الناس بمقتل السفير الروسي في تركيا ـ المطلوب من الأتراك حمايته، ولهم سفيرٌ مقابلٌ له في روسيا يمكن أن يقابله الروس بمثله ـ ظنًا أنه انتقام لأهل حلب الكرام، يؤذي روسيا؛ فلم يؤذها ولم يشفي جراح أهل حلب لأنه ليس هو مجال المواجهة الحقيقية ولا الجادة ولا يحقق تغييرًا على الأرض بل يُعرقل ما كان يستطيع الأتراك من فعلٍ أو صمودٍ ولو ضعيفًا..
بل بلغ الاختلاف إلى حد المراء الفقهي والاختلاف الشديد والتشنج والتشاتم والمقاطعة والتخوين.. إلخ!، وذلك كُلُه في أمرٍ ضئيل المصلحة وتأثيره السلبي أعظم؛ لقد ترك الناس طريق التأثير الحقيقي بامتلاك الشعوب لقرارها وقرارات حكوماتها والقدرة على المواجهة الجادة على الأرض والتأثير الجذري..
قد تكون الإيجابية الوحيدة هي رسالة الشعوب نحو الغرب بشقيه الشرقي والغربي أن الشعوب تعطي إنذارًا بإمكان تخطي كل الحدود حيث فعلت ما وجدت فيه متنفسًا.
لم يركن العدو ولم ينهزم أمام يوم ناله المسلمون أو العرب؛ لكنه صابرَ وناورَ واستخدم طرقًا كثيرةً وحِيَلاً شتى حتى جاءت جولته..
وفي المقابل فإن طول النفَس في المثابرة والمرابطة ـ لا في الركون والمُداهنة ـ هو أمر أُمرنا نحن به شرعًا؛ فنحن مأمورون بمغالبة عدونا في الصبر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، والآن نحن أحوج إلى المصابرة والمغالبة، وألا نهِن أمام جولة للعدو.. سواء جولةٍ آنيةٍ مثل حلب، أو الجولة الأخيرة في مجملها منذ قرنين..
نحن الآن أحوج أن نجعل نصر العدو نصرًا موهومًا، وأن نسعى في إفشال فرحته وتكديره بعد وهم النصر..
لقد سكت رسول الله يوم أن نادى أبوسفيان أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر؟ أفيكم عمر؟ فسكت حتى توهّم موتهم فنادى فرحًا (أما هؤلاء فقد كُفيتموهم) وحينئذ انبرى له عمر في الوقت المناسب فقال: (يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى اللَّه لك معهم ما يسوؤك).. كن واثقًا فإن مَن فوق العرش وصف نفسه بأنه { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} [السجدة جزء من الآية: 5]، ونِعم المدبر سبحانه في عليائه.. فقط ابحث كيف تَقلب عليهم الأيام.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: