مع القرآن - إيمان فرعون أم قوم يونس؟!

منذ 2017-01-03

إن الإيمان الاضطراري ليس بإيمان حقيقة ولو صرف عنه العذاب والأمر الذي اضطره إلى الإيمان لرجع إلى الكفران

الإيمان الاضطراري عند معاينة الموت أو غرغرة النفس أو بعد خروج الشمس من مغربها لا ينفع صاحبه كما لم ينفع إيمان فرعون صاحبه.
والله تعالى من رحمته يُمهل المبتعد فإن تدارك الخطأ وعاد وآب قبله الله و أزاح عنه الضر والعذاب المستحق في الدارين بل إن أحسن بعد التوبة بدل الله سيئاته حسنات.
وفي قوم يونس المثل الحي لهذا المعنى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98].
قال السعدي في تفسيره : يقول تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ} من قرى المكذبين {آمَنَتْ} حين رأت العذاب {فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} أي: لم يكن منهم أحد انتفع بإيمانه، حين رأى العذاب، كما قال تعالى عن فرعون ما تقدم قريبًا، لما قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس جزء من الآية: 90] فقيل له {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91]
وكما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: 84-85]
وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99-100].
والحكمة في هذا ظاهرة فإن الإيمان الاضطراري ليس بإيمان حقيقة ولو صرف عنه العذاب والأمر الذي اضطره إلى الإيمان لرجع إلى الكفران، وقوله {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا} بعدما رأوا العذاب {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} فهم مستثنون من العموم السابق، ولا بد لذلك من حكمة لعالم الغيب والشهادة لم تصل إلينا ولم تدركها أفهامنا، قال الله تعالى {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:139] إلى قوله  {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات: 147-148] ولعل الحكمة في ذلك أن غيرهم من المهلكين لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وأما قوم يونس فإن الله علم أن إيمانهم سيستمر بل قد استمر فعلا وثبتوا عليه والله أعلم.

#مع_القرآن

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
بين القدر والحكمة: عدل الله
المقال التالي
"وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ"