قصور المترفين
أقطار إسلامية بكاملها لا تجد رغيف الخبز تسد بها جوعها، حتى روى بعض الدعاة أن من أعجب ما رأى بعض المسلمين في إفريقيا يتتبعون النمل إذا ما رأوه، أتعلمون لماذا؟ طمعاً في حبة القمح التي تخبئها النملة في جحرها، هكذا وصل الجوع ببعض المسلمين..
بسم الله نبدأ وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير.
قصور المترفين وما قصور المترفين، فيها كل شخص سمين، وكل شيء ثمين،
ولا يغيب عنها أي شيء، إلا آثار شرع القوي المتين، وسنة نبيه الصادق
الأمين.
في وقت يختبر المؤمنون فيه في مشارق الأرض ومغاربها بشتى أنواع
الابتلاءات، نجد منا من لا يبالي، وكأنه في برزخ إلى يوم
يبعثون.
هذا يدخل في قائمة دولية للأرقام القياسية في البذخ، وهذا ينفق على
الفجور بغير حساب، كأن الناس تركوا هملاً وسدى بغير حساب.
حدثني الثقة، بأن جاراً له من متوسطي الحال بإحدى دول الخليج، لبَّى
دعوة لأحد أقاربه بالعاصمة الخليجية الكبرى، وإذا بصاحب الحفل يرمي
بعد انتهاء العرس عشرة من الخراف المطهوة كاملة، يقول الرجل حتى هممت
أحدثه بأني في حاجة لها لولا الحياء منعني من الطلب.
هذا يؤرقه فقر ألم به *** وذاك يهدر آلاف الملايين
أقطار إسلامية بكاملها لا تجد رغيف الخبز تسد بها جوعها، حتى روى بعض الدعاة أن من أعجب ما رأى بعض المسلمين في إفريقيا يتتبعون النمل إذا ما رأوه، أتعلمون لماذا؟ طمعاً في حبة القمح التي تخبئها النملة في جحرها، هكذا وصل الجوع ببعض المسلمين في وقت ينذر أحد الأثرياء مليون ريال سعودي لمن يستطيع أكل ستة عشر وجبة كاملة من أحد المطاعم الشهيرة، فتقدم رجل، وأكل منها ثلاثة عشر وبعدها حملوه إلى الإنعاش لإنقاذ حياته.
ويل له كيف ينسى حق خالقه *** ويستجيب لأبواق الشياطين
وكيف يغفل عن آلام أمته *** وكيف راق له قلب الموازين
شباب غض مثل أغصان الزيتون، أمتهم في أشد الحاجة لجهودهم عشقوا الدنيا وفتنوا بها حتى أسلمهم حبهم إياها إلى الارتماء بين أحضان العاهرات، وصالات الخنا، وأماكن السكر والعربدة والزنا، واللعب بجنون السيارات، حتى أضحى كثيرٌ منهم في عداد الأموات، في وقت تجد فيه شباباً مثلهم نذروا أنفسهم لله، و وقفوا على ثغور الإسلام منافحين، بين مجاهد صامد، و داعية قائم بأمر الله، وآمر بالمعروف ناه عن المنكر قائم على حدود الله، وهم في أحوج الحاجة لما في أيدي المترفين ليذودوا عن حمى الإسلام بين حرب للمعتدين، وبين رفع للواء الشرع والسنة في وجه العلمانيين و أدرابهم من الملحدين، و بين الذب عن أعراض المسلمين، فيا أخي المترف الله الله في نفسك…الله الله في مالك…الله الله في أمتك، كيف تعصي الله بنعمه، وهو قادر على إزالتها في لمحة بصر؟
فالمال فتنة، وأي فتنة اختبر الله عز وجل بها بعض خلقه ليبلوهم فيها، فهلا أحسنت العمل، هلا تنازلت عن سنة قارون، خاصة وأنت تدرك تماماً أنك تاركها لا محالة ثم مسؤول عنها، من أين اكتسبتها و أين أنفقتها، يوم يقف الناس لرب العالمين وأنت أحوج ما تكون لدرهم تتصدق به ليبتعد بك عن النار، يوم يغمس أشد أهل الأرض ترفاً غمسة واحدة في جهنم بعدها يقول: ما رأيت خيراً قط !!!
لكنها فتنة الأحياء فتنتها *** تغري الذين اشتروها دون تثمين
ويعقدون بها الآمال ما رغبوا *** عنها و ما أورثتهم غيرة الدين
يموت في ساحها العشاق وهي على *** مر العصور تنادي كل عنين
جميلة تستطيب النفس معشرها *** وترتمي في رباها دون تخمين
والذل مازال يكوينا بجمرته *** لأننا في سبيل المال والطين
نجد من المترفين من قد يمد يده للحرام حتى تلبس امرأته أغلى الثياب لحضور عرس من الأعراس، ومنهم من يغل من أموال المسلمين، ليحضر لابنه سيارة جديدة، ومنهم من يأكل مال الأجير ليقضي الصيف خارج البلاد، و منهم و منهم.
سبحان الله، الفارق بين هؤلاء وبين سلف الأمة كالفارق بين حال المسلمين الآن وحالهم من قبل، فلا نلومَنَّ إلا أنفسنا.
روى الذهبي : حدثني عبدة ابن عبد الرحيم قال : كنت عند الفضيل بن عياض وعنده ابن المبارك فقال قائل: إن أهلك وعيالك قد احتاجوا مجهودين لهذا المال، فاتق الله وخذ من هؤلاء القوم (يقصد الأمراء) فزجره ابن المبارك وأنشد يقول :
وانأ ما استطعت هداك الله عن دار الأمير *** لتزرها واجتنبها إنها شر مزور
توهن الدين وتدنيك من الحوب الكبير *** قبل أن تسقط يا مغرور في حفرة بير
و ارض يا ويحك من دنياك بالقوت اليسير *** إنها دار بلاء وزوال وغرور
ما ترى قد صارعت قبلك أصحاب القصور *** كم ببطن الأرض من ثاو شريف ووزير
وصغير الشأن عبد خامل الذكر حقير *** لو تصفحت وجوه القوم في يوم نضير
لم تميزهم ولم تعرف غنيا من فقير *** خمدوا فالقوم صرعى تحت أشخاص الصخور
أو ما تحذر من يوم عبوس قمطرير *** أقنطر الشر فيه في عذاب الزمهرير.
عيد سعيد والأرض مازالت مبللة الثرى بدم الشهيد
والحرب ملت نفسها وتقززت ممن تبيد
عيد سعيد في قصور المترفين عيد شقي في خيام اللاجئين
هرمت خطانا يا هلال ومدى السعادة لم يزل عنا بعيد
غب يا هلالا تأت بالعيد السعيد مع الأنين
أنا لا أريد العيد مقطوع الوتين
أتظن أن العيد في حلوى وأثواب جديدة
أتظن أن العيد تهنئة تسطر في جريدة
غب يا هلال واطلع علينا حين يبتسم الزمن
وتموت نيران الفتن
اطلع علينا حين يورق بابتسامتنا المساء
ويذوب في طرقاتنا ثلج الشتاء
اطلع علينا بالشذى بالعز والنصر المبين
اطلع علينا بالتئام الشمل بين المسلمين
هذا هو العيد السعيد وسواه ليس لنا بعيد
غب يا هلال حتى ترى رايات أمتنا ترفرف في شمم
فهناك عيد أي عيد وهناك يبتسم الشقي مع السعيد
أبو الهيثم
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: