موت موسى وتيه بني إسرائيل
لا تجزع أو تحزن مما يدور على وجه الأرض من عداء للرسالة ورسولها صلى الله عليه وسلم حتى من أبناء الأمة أنفسهم.
مكان قبر موسى عليه السلام ووفاته فيها من العبر والدروس الكثير:
لا تجزع أو تحزن مما يدور على وجه الأرض من عداء للرسالة ورسولها صلى الله عليه وسلم حتى من أبناء الأمة أنفسهم.
وتأمل كيف دخلنا نفس التيه الذي دخله اليهود لما قالوا لنبي الله: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة جزء من الآية: 24]، سبب دخولهم التيه (وما حالنا منهم ببعيد):
تأمل بداية الحوار بين موسى وقومه:
في البداية كان الطلب ممهوراً بضمان النصر والتحذسر من التقاعس ففيه كل الخسران:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ* قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 20-22].
روى ابن أبي حاتم علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لما نزل موسى وقومه، بعث منهم اثني عشر رجلًا - وهم النقباء الذين ذكر الله، فبعثهم ليأتوه بخبرهم، فساروا، فلقيهم رجل من الجبارين، فجعلهم في كسائه، فحملهم حتى أتى بهم المدينة، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه، فقالوا: من أنتم؟، قالوا: نحن قوم موسى، بعثنا نأتيه بخبركم . فأعطوهم حبةً من عنب تكفي الرجل، فقالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه فقولوا لهم: اقدروا قدر فاكهتهم فلما أتوهم قالوا: يا موسى {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} أ هـ .
فلما كانت إجابتهم مخزية:
{قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، ما كان من موسى عليه السلام إلا أن طلب من الله الفرقان بينه و بين من خذلوه هو أخيه
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [ المائدة: 25]
فكان قضاء الله وحكمه:
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26].
قال ابن كثير في تفسيره: وقوله تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} لما دعا عليهم موسى عليه السلام ، حين نكلوا عن الجهاد حكم الله عليهم بتحريم دخولها قدرا مدة أربعين سنة، فوقعوا في التيه يسيرون دائمًا لا يهتدون للخروج منه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قوله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} قال: فتاهوا أربعين سنة، فهلك موسى وهارون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة، فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم " يوشع بن نون "، وهو الذي قام بالأمر بعد موسى وهو الذي افتتحها، وهو الذي قيل له : " اليوم يوم الجمعة " فهموا بافتتاحها، ودنت الشمس للغروب، فخشي إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا، فنادى الشمس: " إني مأمور وإنك مأمورة" فوقفت حتى افتتحها، فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط.
كيف كانت وفاة موسى زمن التيه:
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « أُرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال ارجع فقل له: يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة، قال أي رب ثم ماذا؟، قال: ثم الموت قال فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رميًة بحجر، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر». (البخاري: 3226).
قال ابن حجر في الفتح: وقوله فيه: "رمية بحجر" ؛ أي قدر رمية حجر، أي أدنني من مكان إلى الأرض المقدسة هذا القدر، أو أدنني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر، وهذا الثاني أظهر، وعليه شرح ابن بطال وغيره.
أما الأول فهو وإن رجحه بعضهم فليس بجيد، إذ لو كان كذلك لطلب الدنو أكثر من ذلك، ويحتمل أن يكون القدر الذي كان بينه وبين أول الأرض المقدسة كان قدر رمية، فلذلك طلبها، لكن حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليعمي موضع قبره لئلا تعبده الجهال من ملته. انتهى.
ويحتمل أن يكون سر ذلك أن الله لما مُنع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت فلم يدخل الأرض المقدسة مع يوشع إلا أولادهم، ولم يدخلها معه أحدٌ ممن امتنع أولًا أن يدخلها.
اللهم توفنا على الإيمان الكامل وأنت راضٍ عنا واجمعنا بالنيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: