ينتظرون المهدي ويتركون التكاليف..!
لم ينتظر وقتا أو شخصا أو زمنا، ولم ينتظر تحقق ظواهر لم تأت بعد، لأنه ليس مكلفا بانتظارها بل هو مأمور بتصديقها حين تحدث
كلما تراكم علينا الضعف وتكالب العدو وفرّطنا فيما أمر الله تعالى تعالت صيحات انتظار المهدي وقرب الملاحم العظمى وقيام الساعة، ويرتّبون على هذا ألّا عمل ولا مواجهة ولا تغيير، وكأن المهدي يجيء بإسقاط التكاليف ورفععها عن الخلق.. على الأقل في فترة الانتظار..! وكأنه عندما يأتي سيقوم بعصاه السحرية (بتخليص المواضيع) !
ولهذا نوضح مثالا قريبا لحالة تدهورت فيها الأمة، ولم ينتظر الدعاة فيها (المهديّ) بل قاموا بواجبهم ومرّت مائتا عام على عملهم ولم يأت المهديّ بعد..!
كان الأوْلى بانتظار المهدي الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن ومعه من أهل العلم المعاصرين له، فقد رأوا من تحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل الساعة من الظواهر أمورا كثيرة..
ومع هذا لم ينتظر وقتا أو شخصا أو زمنا، ولم ينتظر تحقق ظواهر لم تأت بعد، لأنه ليس مكلفا بانتظارها بل هو مأمور بتصديقها حين تحدث، ومأمور بامتثال أمر الله وتكليفه الشرعي في كل حين.. سواء قبل تحقق ظاهرة أو عند تحققها.
نتج عن هذا أنْ قامت دولة لمائتي عام، أقامت من دين الله ما أقامت وانتقلت نقلة كبيرة مما كانت عليه، وانحرف خلوفها بما ليس مسؤولا هو عنه رحمه الله، ولكن نقل الينا علمهم.
إننا لسنا مكلفين بانتظار المهدي أو ترقّب ظهوره أو ترقب ظهور مسيح الضلالة أو نزول مسيح الهدى عليه السلام أو غير ذلك؛ بل نحن مأمورون بإقامة الدين وامتثال الأمر، وتصديق ما أخبرنا به رسول الله، وتصديق الظاهرة عند حدوثها، والقيام بالتكليف المأمور به ساعتها.
لسنا مكلفين بانتظار ظاهرة وترقب زمانها وترْك التكاليف وتأجيلها الى حين تحقق موعودات معينة.. وهي موعوداتٌ حقٌ بإذن الله، ونحن نؤمن بها ونصدقها، لكن هذا أمر وترك التكاليف انتظارا لزمن لا نعلمه أمر آخر.
ولسنا مكلفين بترتيب الظواهر وتعيين أن القتال الآن في الغوطة السورية هو القتال المبّشر به وأنه يعقبه كذا وكذا، فهذا ليس تكليفا من الله تعالى لنا.. ومن يأخذ هذا المنحى قطعا سيخطئ وسيُصاب بإحباط وقد يدرك خطأه، أو يرتاب فيما أخبر رسول الله، وقد يتسبب في شبهات للناس أو ارتياب لهم من خبر رسول الله ويتحمل سبب الفتنة للناس ، بينما الخطأ هو عند هذا الظان لا في خبر رسول الله!
خاصة وأن قوله صلى الله عليه وسلم (آخر الزمان) يشمل من بعد وفاته الى قيام الساعة، فقوله (سيكون في آخر الزمان) شمل ظهور الخوارج بعد أقل من ثلاثين عاما بعد وفاته، وشمل الملك الوراثي بعد ستين عاما، وشمل الشرطة الظلمة بعد ذلك، وشمل الحكم الجبري، وشمل خروج نار من قعر عدن تضئ لها أعناق الإبل ببصرى الشام بعد أربعة قرون، وشمل فتح القسطنطينية بعد ثمانية قرون، وتبرج النساء في سنيننا التعيسة، وهكذا لا تستطيع أن تحدد زمن تحقق الظاهرة، ومن حدد زمنا مستقبَلا محددا فهو مفتئت أو مفترٍ قائل على الله ورسوله بغير علم وحاملٍ لكلام رسوله على غير يقين..
لن تجد قاعدة ذهبية منجية مثل قوله تعالى {وإن تصبروا وتتقوا} الصبر على المقدور والبلاءات وطول الطريق ومشقته، والتقوى بامتثال الأمر والقيام بالتكليف، والتمسك به حتى يقضي الله قضاءه في أشخاصنا وبيئاتنا وواقعنا ومرحلتنا..
ومثله قول يوسف {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} وقد نال الرسالة والملك والأمن والتمكين.
وما نرى من أخبار تحققت عندها نقول (صدق الله ورسوله)..
وفي كل حين نمتثل التكليف ونوقن بالوعد: ((وأنا على عهدك (بالطاعة) ووعدك (بالنصر والجنة) ما استطعت)).
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: