قل اللهم مالك الملك

منذ 2011-02-20

لا يستطيع أحد أن يكتم فرحته أو يخفي من سعادته بما منّ الله علينا به في أرض الكنانة بل والعالم العربي أجمع بتنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن منصبه كرئيس للدولة وكرأس لنظام كامل من المفسدين في الأرض فساداً طال جميع مؤسسات وهيئات وجهات الدولة...


لا يستطيع أحد أن يكتم فرحته أو يخفي من سعادته بما منّ الله علينا به في أرض الكنانة بل والعالم العربي أجمع بتنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن منصبه كرئيس للدولة وكرأس لنظام كامل من المفسدين في الأرض فساداً طال جميع مؤسسات وهيئات وجهات الدولة وكان له تأثير في منتهى السوء من كل جانب استنزف قدرات وثروات ومجهودات هذه الأرض وأبنائها على مدى ثلاثة عقود من الزمان.

فبسبب الإحباط والإحساس بالقهر والظلم والمرارة والحزن على ضياع الحقوق والأموال والثروات والكرامة والعدل فقدَ الكثير من أبناء الشعب المصري إحساسهم بقيمة الذات وجدوى ما يقومون به من تضحيات وبذل في سبيل تحقيق أي شيء لأنفسهم فضلاً عن أن يكون لهم دور أو حتى أدنى همة ليقدموا أي تضحيات أو أدوار ريادية من أجل الغير.

انشغلنا بأنفسنا وهمومنا وأحوالنا وما فيها من ألم ومرارة من سوء التعليم وما يضخه وينتجه من فساد في القدرات الإدراكية قبل الإبداعية، وسلبية وأنانية ولا مبالاة وعدم تقدير للعلم وأهله وانحدار فكري وخلقي، أو عدم قدرة على إتقان تخصص من التخصصات قبل النزول إلى المجال المهني، أو سطحية وتفاهة واختزال للقضايا والاهتمامات في التحصيل المادي السريع وعدم الاهتمام بالمعارف والتنمية الفكرية التي تضمن أن يكون الفرد ذا قيمة في محيط مهنته فضلاً عن محيط المجتمع ككل.

انشغلنا بهموم الوظائف والبطالة والمرتبات التي لا تستطيع أن تصمد كثيراً في منافسة أسعار السلع الضرورية فضلاً عن الكماليات، فلجأ الكثير إلى السفر للعمل بالخارج وترك الأم والأب والأقارب والأهل في سبيل القدرة على تحصيل وظيفة يتكسب منها المرء ولو لم يكن الدخل العائد منها يكفي ما يهدف له أي إنسان من عمله من خبرات مهنية أو كفاف عن السؤال أو تحصيل مسكن أو مأكل أو مشرب أو تكوين أسرة أو نفقة زوجة أو تعليم أبناء أو حتى التصدق على محتاج!

انشغلنا بهموم الإجراءات الحكومية والروتين والبيروقراطية وتعطيل المصالح وضياع الحقوق والفرص بسبب الرشاوي والمحسوبيات.

انشغلنا بهموم القهر والظلم وتجاوزات جهاز الشرطة واعتداءاتهم على البيوت والأعراض والحريات والخصوصيات وعلى الكرامة بل وعلى الدماء الحرام !

انشغلنا بهموم فساد الإعلام والتضليل والتطبيل والعهر والانحلال والإسفاف، حتى استسلم الكثير للتبعية الفكرية والباطل الملبس بالحق والسذاجة والتفاهة والرغبات الحرام والكسل والخمول وحب الكسب السريع وحب الباطل بل وكراهية حتى سماع الحق!

انشغلنا عن حقوق ضاعت عن أصحابها ولم يرفع بها أحد رأساً وعن ثروات سلبت وأموال سرقت وممتلكات وأراضي وانجازات ومجهودات ضُيِّعَت في سبيل مصالح شخصية من ملك زائل أو سلطان أو تسلط على رقاب البشر أو نساء أو أموال أو وجاهات.

انشغلنا بتوجهات النخبة ورجال الأعمال والسياسيين التي تصب في مصالح الغرب وبالتالي مصالحهم الشخصية عن حتى القدرة على تكوين توجهات سليمة ومفاهيم وتصورات صحيحة إلا من رحم ربي.

ولكن {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]

عن أبي أمامة رضي الله عنه إياس بن ثعلبة الحارثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. فقال رجل: وإن كان شيـئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: وإن قضيباً من أراك» (رواه مسلم).
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين » (متفق عليه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة » ثم ذكر منهم: « ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره» (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: « إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ: { وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود:102] (رواه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري).

لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم

فأين هؤلاء من حقوق الملايين من الأحياء بل والأموات التي ضاعت منهم ومن ذوييهم علواً ونزولاً، آباءاً وأبناءاً، بنيناً وحفدة؟!
أين هؤلاء من دماء جعلها الله أكثر حرمة من قبلة بيته الحرام فسُفكت قهراً وظلماً وعدواناً أو هوى ومزاجاً؟؟
أين هؤلاء مِن صدِّهم عن سبيل الله واضطهادهم للدعاة إلى الله وموالاتهم لأعدائه ولمن كرهوا رضوانه؟
أين هؤلاء من بثهم للفساد في قلوب وعقول العباد وضمائرهم وإفسادهم عليهم دنياهم وآخرتهم؟؟

{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴿٢٠٥﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّـهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [البقرة:205-206]

لا يستطيع أحد أن يتجاهل ما مر به ومر به إخوانه ممن شب على قوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم و تعاطفهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى و السهر» (صححه الإمام الألباني في مشكلة الفقر والعلامة أحمد شاكر في مقدمة عمدة التفسير).

لا يستطيع أحد -طال شخصه كل ذلك أو بعضه أو لم يطله- أن يخفي فرحته وسعادته بفضل الله وبرحمته:
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴿٥٣﴾ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [النحل:54]

فلا وربي لا نشرك بربنا وإليه تتجه القلوب شكراً وامتناناً فله الحمد والمنـّة وإليه يرجع الأمر كله:
{قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٦﴾ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران:26-27]

{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴿٤٢﴾ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴿٤٣﴾ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ﴿٤٤﴾ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ﴿٤٥﴾ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴿٤٦﴾ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴿٤٧﴾ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿٤٨﴾ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿٤٩﴾ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴿٥٠﴾ لِيَجْزِيَ اللَّـهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿٥١﴾ هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم:42-52]

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿٧﴾ وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [إبراهيم:7-8]

بلى اللهم! أنت الغني ونحن الفقراء إليك
اللهم أنت القوي ونحن الضعفاء إليك
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا
اللهم ما كان بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وأدِم علينا فضلك
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة
اللهم إنا نسألك العافية في المال والأهل والولد
اللهم استخدمنا في طاعتك واصنعنا على عينك
اللهم هيء لنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك
اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
اللهم صلي على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


9 ربيع الأول 1432 هـ | 12 فبراير 2011 م
 

المصدر: كريم محمود القزق - خاص بموقع طريق الإسلام