بنغازي .. "بوزيد" الليبية.. هل تطيح بالقذافي؟

منذ 2011-02-20

يواجه الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي واحدة من أشد التحديات التي يواجهها منذ توليه الحكم قبل نحو 42 عاما وهي احتجاجات واضطرابات تطالب بإسقاط نظامه بدأت في بنغازي التي تذكرنا بمدينة سيدي بوزيد التونسية والسويس المصرية ...


مظاهرات في بنغازي

يواجه الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي واحدة من أشد التحديات التي يواجهها منذ توليه الحكم قبل نحو 42 عاما وهي احتجاجات واضطرابات تطالب بإسقاط نظامه بدأت في بنغازي التي تذكرنا بمدينة سيدي بوزيد التونسية والسويس المصرية التين كانتا بمثابة شرارة انتفاضتين أسقطتا الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك.


وكان الأمن الليبي الأعنف في مواجهته للمتظاهرين من الأمن في مصر وتونس في بداية الاحتجاجات، ففي 3 أيام سقط أكثر من 80 متظاهرا ليبيا بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش وهو ما يعني أن معدل سقوط القتلى في هذه الاحتجاجات يفوق بكثير ما حصل في الثورتين الشعبيتين بالدولتين المجاورتين لليبيا، تونس ومصر، خلال نفس الفترة.


واندلعت الاحتجاجات أولا في بنغازي في منتصف فبراير إثر اعتقال الناشط والمحامي فتحي تربل الذي يمثل عائلات أكثر من ألف سجين قتلوا برصاص الأمن صيف عام 1996 في سجن بوسليم بطرابلس ، حيث تطالب عائلات الضحايا بمعاقبة الجناة وتسلم الجثث التي يقول خصوم الحكومة إنها لم تسلم لذويها إلى اليوم.

وهاجم المتظاهرون في مدينة بنغازي مواقع تعتبر رمزا للنظام حيث يفيد شهود العيان أن المتظاهرين أحرقوا جميع المراكز الثورية ومقر إذاعة بنغازي، كما هدموا نصبا يمثل الكتاب الأخضر وسيطروا على ثلاث دبابات للجيش.

وكان المتظاهرون يرددون في بداية الاحتجاجات شعارات للمطالبة بمزيد من الحريات والحقوق غير أن سقف مطالبهم ارتفع لاحقا إلى المطالبة بإسقاط النظام وذلك في أعقاب القسوة التي قابلت بها الشرطة المتظاهرين وتغاضيها عن تهجم عناصر "اللجان الثورية" الموالين للنظام والبلطجية بالسلاح الأبيض و"البلطات" عليهم، فضلا عما أبداه القذافي من استخفاف بمطالب شعبه.


كما اتسعت دائرة المظاهرات في ليبيا المطالبة بتنحي القذافي لتشمل إلى جانب بنغازي والبيضاء مدن درنة وأجدابيا والقبة وطبرق والزنتان وتاجورا وشحات وحتى العاصمة طرابلس.

ومثلما حصل في تونس ومصر عطلت ليبيا بعض خدمات الإنترنت ومنها موقع الجزيرة نت، كما فعلت الأمر ذاته مع صفحات مجموعات الغضب على موقع فيسبوك، وتم التشويش على إشارة قناة الجزيرة على عدة ترددات.


وقد نقل التلفزيون الليبي مظاهرات بطرابلس مؤيدة للنظام الليبي شارك فيها القذافي نفسه، كما دعت خطبة الجمعة في طرابلس -التي نقلها التلفزيون الحكومي- المواطنين إلى تجاهل تقارير وسائل الإعلام الأجنبية بدعوى أنها لا تريد السلام لليبيا وتريد تقسيمها تحقيقا لأهداف الصهيونية والاستعمار.

كما وجهت رسائل نصية قصيرة وصلت إلى مستخدمي الهواتف المحمولة الشكر لمن تجاهلوا الدعوة للمشاركة في الاحتجاجات.

ويرى معارضون أنه لا يمكن مقارنة ليبيا بمصر أو تونس، لاختلاف شخصية القذافي الذي سيقاتل حتى آخر لحظة.


كما يقول مراقبون إن الوضع في ليبيا مختلف عن مصر لأن القذافي يملك سيولة نقدية نفطية للتغلب على المشكلات الاجتماعية، لكنهم رأوا أن هذه الاحتجاجات حتى وإن لم تحقق مطلبها الرئيسي بتنحي النظام، فإنها بكل تأكيد ستعيد صياغة السياسة الليبية الداخلية.

فقد نقلت صحيفة قورينا الخاصة -المقربة من سيف الإسلام نجل القذافي- عن مصادر لم تسمها أن مؤتمر الشعب العام (البرلمان) سيقر "تغييرا كبيرا" في سياسة الحكومة بما في ذلك تعيين أشخاص جدد بمناصب رفيعة.


كما أشارت صحيفة الوطن الليبية إلى أنه سوف يتم إيفاد الساعدي النجل الآخر للقذافي إلى مدينة بنغازي للمساعدة على تطبيق "خطة تنموية غير مسبوقة".


والقذافي وهو أطول الزعماء العرب الموجودين في السلطة عمرا في مدة الحكم حيث أن فترة حكمه تتجاوز الأربعين عاماً طالما قيل عنه أنه لا يملك حسابا بنكيا بالمليارات ولكن أفرادا في أسرته وبطانته المحيطة به استغلوا اسمه لتكوين ثروات هائلة وأصبحت معظم قطاعات الأعمال تحت سيطرتهم وباتوا عنوانا لمعظم الصفقات في البلاد إن لم يكن كلها.


وتحدثت صحيفة "أويا" اليومية التي يملكها سيف الإسلام قبل بضعة أشهر عن انتشار "ثالوث" الرشوة والوساطة والمحسوبية في البلاد وتمنت على الزعيم الليبي استدعاء الرائد عبد السلام جلود الرجل الثاني في الثورة الليبية لتشكيل حكومة ليبية يكون استئصال الفساد في البلاد على قمة أولوياتها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.


كما كشفت تقارير صحفية أخرى عن فساد في أوساط البطانة المحيطة بالنظام وجشعهم غير المحدود في نهب أكبر قدر ممكن من الملايين وتهريبها إلى مصارف خارجية حتى أن القذافي نفسه أكد أكثر من مرة وفي خطابات عامة أنه سيطالب جميع المسئولين بتقديم كشوفات عن ثرواتهم ومساءلتهم عن كيفية تكوينها وتقديم أي فاسد إلى المحاكم تحت تهمة "من أين لك هذا" ولكن هذه الأقوال لم تنفذ عملياً ربما لأنه أدرك أن بعض المتورطين في الفساد هم من أقرب المقربين إليه.


وبحسب ما نشرته صحيفة "القدس العربي" في 17 فبراير فإن أكثر من خمسين مليار دولار تدخل سنوياً خزينة الدولة كعوائد نفطية (ليبيا تصدر حوالى 1.8 مليون برميل نفط يومياً) ومع ذلك تنحدر الخدمات العامة من تعليم وصحة إلى مستوياتها الدنيا ويتوجه معظم المرضى الليبيين إلى مستشفيات الأردن وتونس طلباً للعلاج وهما دولتان غير نفطيتين وتعتبران من الدول الفقيرة نسبيا.

ووفقا للمصدر ذاته فإن الحريات في ليبيا شبه معدومة والتليفزيون الرسمي فقير في برامجه ونشرات أخباره والصحافة المحلية عبارة عن منشورات محلية.


وبالنظر لهذا الوضع فإن الظروف المعيشية والخدماتية في تونس التي لا يوجد فيها نفط أو غاز قد تكون أفضل كثيرا من نظيرتها الليبية ولذا ليس من المستغرب أن يثور الشعب الليبي للمطالبة بالعدالة والحريات مثل جيرانه في مصر وتونس، ولكن هل ستنجح هذه الثورة في الإطاحة بالنظام أم سيكون مرضيا لها أن يتم تحسين المستوى المعيشي والظروف الاجتماعية والعمل على استئصال الفساد؟


16/3/1432 هـ
 

المصدر: إيمان الشرقاوي - موقع المسلم