مع القرآن - الاعتدال في البذل و العطاء
{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا * وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } [الإسراء 28-30]
ابذل الخير سخية به نفسك و لا تكلفها فوق طاقتها فالتوسط و الاعتدال ميزان منضبط لا ينحرف و لا يجلب ضرراً .
و اعلم أن عطاءك إنما هو امتداد لما أعطاك الله إياه و سبيل لزيادة الخير بين يديك فمن يبسط الرزق للعباد إلا الله ؟
{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا * وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } [الإسراء 28-30] .
قال السعدي في تفسيره :
{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا } أي: تعرض عن إعطائهم إلى وقت آخر ترجو فيه من الله تيسير الأمر.
{ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا } أي: لطيفا برفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر لينقلبوا عنك مطمئنة خواطرهم كما قال تعالى: { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}
وهذا أيضا من لطف الله تعالى بالعباد أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه لأن انتظار ذلك عبادة، وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر عبادة حاضرة لأن الهم بفعل الحسنة حسنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك ولعل الله ييسر له بسبب رجائه .
ثم أخبر تعالى أنه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره ويضيقه على من يشاء حكمة منه، { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } فيجزيهم على ما يعلمه صالحا لهم ويدبرهم بلطفه وكرمه.
قال الإمام الطبري في تفسيره :
يقول تعالى ذكره : وإن تعرض يا محمد عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم حقوقهم إذا وجدت إليها السبيل بوجهك عند مسألتهم إياك ، ما لا تجد إليه سبيلا حياء منهم ورحمة لهم { ابتغاء رحمة من ربك} يقول : انتظار رزق تنتظره من عند ربك ، وترجو تيسير الله إياه لك ، فلا تؤيسهم ، ولكن قل لهم قولا ميسورا : يقول : ولكن عدهم وعدا جميلا بأن تقول : سيرزق الله فأعطيكم ، وما أشبه ذلك من القول اللين غير الغليظ ، كما قال جل ثناؤه { وأما السائل فلا تنهر} .
و لقول في تأويل قوله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}
وهذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى للممتنع من الإنفاق في الحقوق التي أوجبها في أموال ذوي الأموال ، فجعله كالمشدودة يده إلى عنقه ، الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء .
وإنما معنى الكلام : ولا تمسك يا محمد يدك بخلا عن النفقة في حقوق الله ، فلا تنفق فيها شيئا إمساك المغلولة يده إلى عنقه ، الذي لا يستطيع بسطها { ولا تبسطها كل البسط } يقول : ولا تبسطها بالعطية كل البسط ، فتبقى لا شيء عندك ، ولا تجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك { فتقعد ملوما محسورا } يقول : فتقعد يلومك سائلوك إذا لم تعطهم حين سألوك ، وتلومك نفسك على الإسراع في مالك وذهابه ، محسورا : يقول : معيبا ، قد انقطع بك ، لا شيء عندك تنفقه ، وأصله من قولهم للدابة التي قد سير عليها حتى انقطع سيرها ، وكلت ورزحت من السير ، بأنه حسير . يقال منه : حسرت الدابة فأنا أحسرها ، وأحسرها حسرا ، وذلك إذا أنضيته بالسير ، وحسرته بالمسألة إذا سألته فألحفت ، وحسر البصر فهو يحسر ، وذلك إذا بلغ أقصى المنظر فكل . ومنه قوله عز وجل { ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير } وكذلك ذلك في كل شيء كل وأزحف حتى يضنى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: