(الثورة المضادة) بين الحقيقة والخيال

منذ 2011-02-26

انتشر تعبير "الثورة المضادة" بعد أن اندلعت العديد من المظاهرات والاحتجاجات في الدول العربية مؤخرا وأدت إلى سقوط بعض الأنظمة وشارف البعض الآخر على الانهيار، وجاء التعبير خوفا من ضياع المكاسب التي حققتها هذه الثورات ودفعت فيها الكثير من الدماء والجهود...



انتشر تعبير "الثورة المضادة" بعد أن اندلعت العديد من المظاهرات والاحتجاجات في الدول العربية مؤخرا وأدت إلى سقوط بعض الأنظمة وشارف البعض الآخر على الانهيار، وجاء التعبير خوفا من ضياع المكاسب التي حققتها هذه الثورات ودفعت فيها الكثير من الدماء والجهود، ويرى أصحاب هذا التعبير أن الأنظمة السابقة لا زالت تتمتع بنفوذ رغم زوال حكمها فرئيس الوزراء التونسي الحالي محمد الغنوشي أحد رجال زين العابدين، كما أن أحمد شفيق رئيس الوزراء المصري تلميذ نجيب من تلامذة الرئيس المخلوع حسني مبارك باعترافه، وقد تحدثت مصادر صحفية أن شفيق انطلق بطائرة حربية إلى شرم الشيخ بعد تنحي مبارك لإطلاعه على آخر المستجدات، وكان الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل قد حذر في أول حديث له مع التليفزيون المصري من وجود مبارك في شرم الشيخ لأنه تعود أن يحكم البلاد طوال السنوات الأخيرة من هناك ويخشى أن يستعيد توازنه ويسبب قلقا للثورة، أضف إلى ذلك أن مبارك ما زال رسميا هو رئيس الحزب الوطني الذي كان يحكم البلاد والحزب ما زال قائما وقد اجتمعت قياداته لاختيار أمين جديد للحزب بعد استقالة حسام بدراوي، هذا إلى جانب وجود عدد لا بأس به من المنتفعين من الأنظمة السابقة تمكنت من الحصول على ثروات طائلة وهي مستعدة لإنفاق نصفها للاحتفاظ بالنصف الآخر الذي قد يتبخر في حال استمرار الثورة والمجيء بحكومات شعبية مستقلة.


لقد كثر الحديث عن ضباط أمن وعناصر من رجال النظام السابق يحرضون على عدم الاستقرار في تونس ومصر لإظهار البلاد بشكل فوضوي أمام العالم ويزعزعون ثقة الشعب بالثورة ومن أمثلة ذلك تزايد المظاهرات الفئوية وحوادث السرقة والنهب؛ كل ذلك وغيره يؤيد رأي من يذهب إلى إمكانية حدوث ثورة مضادة، بينما يرى البعض الآخر أن هذه المخاوف محض خيال لأن هذه الأنظمة انتهت ولا يمكن رجوعها بأي حال ويستدلون على ذلك بتصريحات الحكومات الحالية والجيش والخطوات التي تمت من أجل محاسبة البعض ومصادرة أموال البعض الآخر، والإصلاحات السياسية التي شهدتها البلاد في فترة وجيزة نسبيا كما أنهم يدعون الثوار للرجوع لأعمالهم وترك القائمين على الأمور لدراسة الخطوات القادمة.. وفي الحقيقة التدقيق في مجريات الأمور يحمل الكثير من المخاوف ولا يدعو إلى الإفراط في التفاؤل وهنا يجب التنبيه على أن المقصود من تعبير "الثورة المضادة" ليس رجوع نفس الأشخاص فهذا مستبعد، ولكن رجوع أشخاص مقربين من النظام السابق أو نفس النوعية في ثوب جديد يبدأ بشعارات براقة عن الحرية والديمقراطية وينتهي كسلفه، فمبارك وبن علي وقريبا القذافي انتهوا تماما كأشخاص ولكن الدائرة المحيطة بهم فيها أنواع مختلفة قد تقفز إلى الحكم في حال عدم الانتباه؛ لذا لم أشعر بارتياح عندما عبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر عن غضبه من استمرار المظاهرات الأسبوعية في ميدان التحرير يوم الجمعة لمتابعة مطالب الثورة بدعوى "عدم الاستقرار"، وقال أحد أعضاء المجلس: "يعني أنتم مش واثقين فينا"، وعندما طلب أحد أعضاء ائتلاف الثورة إقالة حكومة شفيق لأنه أحد رجال نظام مبارك رد عليه عضو آخر في المجلس" أنا الذي رقاني لرتبة لواء الرئيس مبارك".


دائما كنا نقول أن الشعوب العربية سريعة النسيان وقد يراهن البعض على ذلك بتحقيق بعض المطالب للثورة وعندما يستكين الثوار ويلتفتون لأعمالهم تتبخر الوعود شيئا فشيئا ويتم التدخل لصالح أشخاص معينين في الانتخابات الرئاسية من المقربين من الجيش مثلا أو أحد قياداته السابقة لتحجيم التغيير القادم ووضع الثورة في إطار محدد. وجود الثوار في الشارع بشكل سلمي هو الذي سيحبط جميع هذه الهواجس وعندما تأتي حكومة ورئيس منتخب بشكل صحيح هنا فقط تنتفي الحاجة للوجود الثوري فإلى الآن ثورات العالم العربي لم تكتمل ولا زال النظام السابق يتواجد عبر عدد من رجاله.


إن مشكلة هذه الثورات أنها بلا قيادات تستطيع إدارة الأمور وإلا لطالبت فورا وبعد تنحي الأنظمة السابقة بتولي هذه القيادات للحكم خلال فترة انتقالية على أن يظل الجيش حاميا للثورة فقط دون تدخل في الحكم أو ترتيباته القادمة، ومع ذلك كان من الممكن أن يتم اشتراط تولي مجلس رئاسي وحكومة مستقلة قبل إنهاء الوجود الثوري في الشارع على أن يبقى الجيش بعيدا عن مقاعد الحكم أيضا وهو ما لم يتم وقدمت الثورة القيادة للجيش وهو ما لم يكن صوابا فالجيش يحمي ولا يقود ومعظم التجارب السابقة أكدت أن الجيش يفشل في إدارة البلاد وقد يتدخل بطريقة أو بأخرى في اختيار الأنظمة القادمة.. ما زالت الكرة في ملعب الثوار لأن فورة الثورة لم تهدأ بعد؛ شريطة الثبات على مطالبهم وعدم التنازل عن التخلص من كل ما له صلة بالعهد السابق.
 

المصدر: خالد مصطفى - موقع المسلم