دعوها فإنها منتنة
أقول لإخواني الأخوان : والله إني لأحبكم فى الله ، وأدعو لكم ، وأترضى عليكم ، وأعرف فضلكم ، وقدركم ، بل وأوافقكم فى بعض مآخذكم ، لكن حنانيكم ، فما كان الرفق فى شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه..
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان على الظالمين، وبعد.
فيعلم الله أننى لا أستسيغ الكتابة فى هذه الأيام ، وأننى - والذى
نصر عباده فى ميدان التحرير - أجد الكلام - أى كلام - لا يمكن قط أن
يكون على مستوى الحدث ، ويعلم الله كم حاولت أن أكتب شيئاً طوال هذه
الأيام فما هو إلا أن أجلس إلى مكتبى وأكتب بعض السطور حتى أغلق
الحاسوب ، وأصرف النظر عن الكتابة ، وأدخل فى نوبة بكاء ، لم أعرفها
قط فى حياتى ، ووالله ما شهدت زوجتى دموعى منذ عرفتنى إلا هذه الأيام
، حتى أن بكائي فقد وقعه لديها ، إذ تكاد لا ترانى فى هذه الأيام إلا
باكياً .
كنت قد نويت أن أتوقف عن الكتابة ، وأن أكتفى بطول التأمل ، والتدبر
لاستخلاص الدروس والعبر ، فما الذى أجلسني مجلسي هذا ؟
الذى أجلسني هذا المجلس ، وأقامنى هذا المقام ، وجعلني فى وسط هذا
الشعور الطاغي - بعد دقائق من رحيل الطاغية- الذى جعلني أحمل نفسي على
الكتابة حملاً مع كراهتها لذلك ، هو خوفي على أبناء الصحوة المباركة ،
بجناحيها الإخوانى والسلفي ، ذلك أننى - وللأسف - صدمني طوفان من
التعليقات المرعبة من الطرفين ، وهالني هذا الكم الرهيب من التراشق
البغيض بالاتهامات ، وأفزعتني حرب التعليقات المتبادلة ، واكتشفت أن
هناك قدراً عجيباً من الغل وسوء الظن الذى لا يليق - أبداً أبداً
أبداً - بفريقين - فى رأيي - أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرقهما
.
كيف يمكن تفسير هذه الحرب المشتعلة بين السلفيين والإخوان على
المواقع والمنتديات ، بل وفى بعض المساجد ، واللقاءات ؟ كيف يمكن
تفسير ذلك ؟ وهما يرفعان شعار- إن الحكم إلا لله ، ويؤمنان بأن
الإسلام هو الحل ، ويعتقدان اعتقاداً جازماً أنه لا نهضة ، ولا تقدم ،
ولا نصر لهذه الأمة إلا إذا عادت إلى دينها وشريعتها ؟!
قولوا لى بالله عليكم : كيف لمن يتفقون على هذا ، أن يكون بينهم كل
هذا السباب والتراشق والتخوين والتسفيه ؟وإذا كان هذا حالنا ونحن ما
زلنا على ( البر ) كما يقولون ،فكيف لو وصل فريق منا إلى السلطة ؟ بل
كيف لو جمعتنا حكومة أو برلمان ؟ ربما ساعتها سنجعل العالم يضحك علينا
! ربما ساعتها سيشمت بنا رفعت السعيد ، وجابر عصفور ، وعبدالله كمال ،
وحجازى ، والدقاق !! وسيقولون للدنيا : أرأيتم ؟ أتبينتم ؟ أصدقتم أن
هؤلاء طلاب دنيا ، وأدعياء دين ؟
أسوأ ما فى هذه الحرب ، أنها تقوم على أسوأ خصلتين ، وأقبح وأشنع
رذيلتين ، الخلق الأول : سوء الظن ، والحكم على النيات ، والخلق
الثاني : هو تصور احتكار الحقيقة ، والعجيب أن هذين الجريمتين هما ما
عانى منهما كِلانا من خصومنا الهالكين !! والأسوأ أن هذه الرذائل
تخالف أبجديات الإسلام الذى يقف كل منا تحت رايته .
حين تنظر إلى التعليقات ، وحين تقرأ الاتهامات ، وحين تتأمل الحوار
الدائر ، فالغالب أن قلبك سينقبض ، وربما حاك فى صدرك ، أنه لو مُكن
لفريق منا ، أو لكلانا فسيكون أول ما يفعله ، هو تصفية حسابه مع الآخر
.
الاتهامات المتبادلة كلها - وأكرر كلها - قائمة على سوء الظن ،
وكلها- أكرر كلها ـ كان يمكن مع أقل ـ وأكرر ـ مع أقل حسن ظن أن يجد
لها الناقم مسلكاً ، ومع رذيلة سوء الظن برفيق الدرب ،فإن الناقم يقع
فيما هو أرذل ، حين يقطع أنه على الحق ولا شك ، وأن الآخر على الباطل
ولا شك !!
وأقبح وأشنع من ذلك ، أنه ينزع من الآخر كل فضيلة ، ويغفل تاريخه ،
ويجعله بلا محاسن ، فأين فى كتاب الإسلام هذه الرذائل ؟ ثم وأسخف من
ذلك : أن الناقم ،ينتقى أبشع الألفاظ وأقذعها ، وأشد العبارات
وأشنعها، كأنه يكلم رجلاً علمانياً من أعداء الدين ، أو ماركسياً ،
وليس مثله، يؤمن بكل ما يؤمن به من مقاصد ، وكليات ، وأهداف ، ومعظم
الاختلاف - إن لم يكن كله - فى الوسائل ، والأدوات ، والأولويات ،
يشنع هذا التشنيع ويستخدم هذه العبارات ، بينما كان يسعه أن يبعث
رسالته ، ويعبر عن مآخذه ، بعبارات ألطف ، وكلمات أرفق ، دون أن يؤثر
ذلك على مضمون كلامه .ثم والأهم من ذلك ، أن الوقت ليس وقت اتهام ،
وسباب ، وسخرية ، واستهزاء ، ولا هو وقت معايرة ، ولا وقت تسجيل مواقف
، وإنما الوقت وقت عمل : وماذا بعد ؟ أيعقل أن نترك ألوف من الأشرار
المتربصين فى الداخل والخارج لنقول : أنت لم تشارك : وأنت كنت جباناً
، وأنت كنت عميلاً ، وأنت قلت للناس : صلوا على النبي ، فيرد الآخر بل
أنت مبتدع ، ومتعجل واصبر لترى !! أيعقل أن نفعل هذا والبلد تمر بلحظة
من أحرج لحظات تاريخها ؟ أهذا وقت عتاب ؟ ثم لو فرضنا أنه وقت عتاب ،
أهذا هو أدب العتاب ؟ إن كان هذا مستوى الخطاب - العتابى - بيننا ،
فكيف يكون خطاب العتاب بين العلمانيين وبعضهم ؟ بل كيف يكون خطاب
العتاب بيننا وبين العلمانيين ؟ أيُعقل أن يكون حديثنا معهم أرفق
وأرقى من الحديث والعتاب بيننا ؟ قد خسرنا وخبنا إذن !!
أهذا وقت : كنتم مشغولون بالحيض والنفاس ، ونحن نتعرض للقمع والبطش،
وكنتم أداة للنظام فى تخدير الجماهير ، فيرد السلفي : كل شيوخنا قضوا
زهرة شبابهم فى المعتقلات ، وشباب السلفيين هم أيضاً وقود المعتقلات ،
وأنتم تريدون التغيير من القمة ونحن نرى التغيير من القاعدة ؟ أيعقل
أن يكون هذا هو النقاش الدائر بيننا الآن ؟ ثم وإن دار ، أيعقل أن
يكون بهذا الإسفاف ؟ أرجو مراجعة التعليقات على مقالة الدكتور كمال
حبيب ( ثوار وسلفيون ) ، بل راجعوا التعليقات على مقال الإخوانى
الفاضل إبراهيم الديب ( أيها الإخوان اتركوا التفاوض فوراً ) هل يعقل
أن كل من يختلف معي فهو خائن وعميل وجاهل ودرويش ومتخاذل، راجعوا
التعليقات على مقال الشيخ خالد عبدالله ( الرئيس والطوفان ) و مقال (
دوائر العقول المغلقة) مهما اختلفتُ معه فى مضمون المقالة ، لكن ألا
يحق لخالد عبد الله الذى أعرفه وتعرفونه ، الذى لا أعرف رجلاً فى
العالم الإسلامي من الدعاة الإسلاميين ، أيا كان توجهه ، قدم فى قناة
فضائية تتبع النايل سات ما قدمه خالد عبد الله فى سهرة خاصة من طرح ،
يعد من وجهة نظري فى وقتها انتحار ، وراجعوا ما أقول وحلقاته موثقة
على الشبكة العنكبوتية ، هذا الرجل بهذا التاريخ ، وهذه السابقة ، طرح
وجهة نظر مخالفة، هب أنها بالغة الشذوذ ، وصادمة ، فالواجب أن يكون
الرد بإحسان ولطف ، هب أنه أخطأ ، بل هب أنه أساء الأدب ، فما هو
الواجب على من قام ليرد ؟ أيدفع بالتي هي أحسن ، أم يقابل الجهل
بالجهل ، هذا مع أن الرجل لم يجهل ، ولا أساء الأدب ، بل طرح وجهة نظر
مخالفة فقط ، فسقط بالقاضية ، وبدلاً من أن نقول له أخطأت يرحمك الله
، قلنا له : يا خائن ، يا عميل ، يا درويش ، خذلك مسبحة وارحل مع
السلفيين الدراويش أمثالك ، الواقع أن هناك أزمة وجفوة وسوء ظن وجرح
متقيح ينبغي أن ينظف بعلم ويغلق على نظافة للأبد .
هما سؤالان لا ثالث لهما : هل فعلاً هناك من الطرفين من يشك فى نوايا
الفريق الآخر فى الجملة ؟ خاصة نوايا الكبار ؟ أعنى هل يمكن أن يكون
حسان، والحوينى، ويعقوب، والعدوى، وبرهامى، والمقدم وغيرهم من
السلفيين عملاء للنظام ، أو هل يمكن أن يكون بديع، و عاكف، وأبو
الفتوح، والعريان، والشاطر وغيرهم إلا مجتهدون فيما ننقمه عليهم ؟ لا
أظن أن منصفاً ، عاقلاً ، يدرى ما يقول ، يمكن أن يظن بهؤلاء إلا
خيراً فى الظاهر ، والسرائر موكولة إلى الله ، فإذ كان الأمر كذلك ،
فلم يبق إلا أن الخلاف فى وجهات النظر وتأويل النصوص ، وتقدير المصالح
والمفاسد طبيعي ومفهوم، وقد حدث بين الصحابة اختلاف في وجهات النظر ،
هل يمكن أن نكون مثل الهالك ( بوش ) فيكون من ليس على رأيي ورؤيتي ،
فهو عدوى ؟؟!!
وإذا كان المنصف يُسلِّم أن الفريقين - فى الظاهر - هما من أهل
الصلاح ، والإصلاح ، وأن خلافهما فى كثير من مسائله هو خلاف : لا
يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة ، لا والله بل إن منطقية الخلاف
بين السلفيين والإخوان ـ لاحتمال الأدلة وجسامة النوازل ـ أعظم من
منطقية الخلاف فى نص واضح قاطع لا استثناء فيه، إذا كان المنصف يظن
بالفريقين - فى الجملة - أنهم مريدوا خير، وأنهما أهل شريعة ، وشرع ،
وكتاب ، وسنة ، فكان أولى من التجهيل ، والتسفيه ، والتخوين ،
والتنقيص ، والسباب ، أن يكون هناك حسن الظن ، والتماس الأعذار ، وسعة
الصدر ، وأدب الخلاف ، فإن لم أجد لأخي عذراً ، قلت لعل له عذراً لا
أعرفه، هب أننى جبان ، هب أنك البطل ، هب أنك الذى أسقطه ، هب أنك
الذى كنت على الحق ، فلك أجران ولى أجر ، يشفع لى عندك أننى كنت مريد
للخير ، طالب للإصلاح ، وأن هذا فهمى ، ومبلغ علمى ونتيجة اجتهادي ،
هب أنك صليت العصر فى الطريق إلى بنى قريظة فى وقته ، بناءاً على
اجتهادك فى فهم المراد من الأمر ، وأننى صليته فى بنى قريظة بناء على
تعظيمي للنص ، ومنهجي فى الالتزام بحرفيته ، وبناءاً على فهمى للمراد
من الأمر أيضاً ، مادام لم ترد قرينة صارفة ، ثم تبين أن الحق معك ،
فعلى ماذا أُلآم ، هنيئاً لك الأجران ، والحمد لله على الأجر الواحد ،
هب أنك ( علياً رضي الله عنه ) فى الجمل ، فأنا فى أقل حالاتي معاوية
رضي الله عنه .
طبعاً أنا أقول هذا من باب التنزل ، وضرب المثل ، وتأكيداً على أن
الواجب فى أسوأ الأحوال غير ما وقعنا فيه ، وإلا فعند التحقيق ، فالذي
أدين به ، أن الحق موزع على الفريقين ، وأن مثلنا ومثل الإخوان ، كمثل
معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ، لما جاءا للنبي صلى الله
عليه وسلم يتنازعان فيمن قتل منهما أبا جهل ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : كلاكما قتله ،والذى أدين لله به ، أن كل منا أكل من منسأة
الطاغية حتى خر ، لكن أينا أكل أكثر ؟ وأينا قضم آخر قضمة؟ فأهل
الإخلاص لا يتنازعا فى هذا قط ، المهم أنه سقط ، فهل يعقل أيها
العقلاء ، وهل يليق أيها الفضلاء ، وهل يقبل أيها الحكماء ، بعد أن
يسقط وفى هذا الظرف البالغ الخطورة ، أن نتفرغ للاتهامات ؟ هذا والله
هو العجب ، العجيب، العاجب، العجاب !!!
هب أننى مخطأ ، هب أننى متأول ، هب أننى متحرف لقتال ، بل هب أننى
جبان ، هب أن خطابي كان باهتاً وأحياناً نشازاً وأحياناً مضحكاً
وأحياناً بالغ الغرابة والاستفزاز من سطحيته أو صدميته ، هب أى شيء
إلا الطعن فى نيتي واتهامي أنى عميل وخائن ، وافعل أى شيء ، إلا
التألى على الله وشق الصدور ، وقل ما شأت ، لكن فى حدود أخوة الإسلام
.
هبوا أن السلفيين شاركوا فقط بتعليم أحكام الحيض ، والنفاس ،
والرقائق ، والمواعظ ، هبوا أننا فقط كثرنا سواد الطائعين ، هبوا أن
السلفيين لم يقدموا إلا ، سيد بلال ، هبوا ذلك ودعكم من ألوف
المعتقلين من السلفيين كبارهم وصغارهم ، ودعكم من أن ابن لادن سلفي ،
وأن الظواهري سلفي ، والزرقاوى سلفي ، والزمر ، والإسلامبولى سلفي ،
وأن من قاد مظاهرات كاميليا سلفي ، وأن الشيخ محمد عبد المقصود نزيل
المعتقلات سلفي ، وأن الشيخ نشأت صنوه سلفي ، وأن كلاهما نزل إلى
المظاهرات وخطبا فيها بسقوط الطاغية ، وأن معظم دعاة الدعوة السلفية
قضوا سنوات من أعمارهم فى المعتقلات ، دعونا من كل هذا ، وهبوا أننا
فقط علمنا الناس العلم الشرعي ، أفهذه عندكم جريمة ؟ أو لم يقل الله
عز وجل {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
} [التوبة :122] فنهى الله نهى تحريم تأثم الأمة جمعاء
إن وقعت فيه ، نهى أن ينفر الجميع إلى القتال ، وأمر بأن تبقى طائفة
تتعلم العلم ، وتعلمه للخلق ، فالذين نفروا للجهاد ، ليسوا بأفضل ممن
نفروا ليتفقهوا فى الدين ، وكلاهما على خير .
هذا بفرض أن السلفيين لم ينفروا للقتال ، وهم قد نفروا وأوذوا وعذبوا
، لكن هب أنهم نفروا ليتفقهوا فقط فقد قاموا بدور لا يقل فضلاً عن
دوركم .
إخواني الإخوان : لو اتفقنا على أن علماء الدعوة السلفية ، فيما يبدو
، ويظهر ، وتشهد به أقوالهم ، وأفعالهم ، وثمار دعوتهم ، هم مخلصون فى
الظاهر ، والله حسيبهم ، فليسوا عملاء ، وإذا اتفقنا أنهم من أهل
العلم فليسوا جهلاء ، وإذا اتفقنا أنهم عقلاء فليسوا مجانين ولا سفهاء
، أقول إذا اتفقنا أنهم مخلصون ، علماء ، عقلاء ، فعلى أى محمل ينبغي
أن يحمل كلام المخلص العالم العاقل ، إذا صدر منه ما هو من وجهة نظرك
خطأ بل خطيئة ؟ ثم هم مع ذلك بشر كالبشر ، خطاءون ، وما زعموا أنهم
معصومون ولا زعم أتباعهم ذلك ، بل هم مثلكم إن شاء الله ، يدورون بين
أجرين ، وأجر واحد ، فكلانا إذن على خير .
أقول لإخواني الأخوان : والله إني لأحبكم فى الله ، وأدعو لكم ،
وأترضى عليكم ، وأعرف فضلكم ، وقدركم ، بل وأوافقكم فى بعض مآخذكم ،
لكن حنانيكم ، فما كان الرفق فى شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا
شانه ، أحسنوا الظن بإخوانكم ، الذين يعملون بما يرونه الحق ، وبما
يرونه مقتضى الدليل ، فلا يسعهم مخالفته إلى رأى أحد، كائنا من كان ،
حتى لو جلب ذلك عليهم سخط الناس ، وحتى لو رضي عن أقوالهم فرعون ،
لأنهم إنما يراقبون الله ، ولا أحد سواه .
وأقول لشباب السلفيين : اعرفوا لإخوانكم قدرهم ، وفضلهم ، وبذلهم ،
فقد عبدوا لهذه الثورة الطريق ، وقدموا من المال والنفس والشباب ، ما
لا يحتاج إلى دليل ، لينوا فى أيدي إخوانكم ، وأزيلوا هذه الجفوة ،
وأحسنوا الظن بهم .
وإلى الفريقين أقول : دعوها فإنها منتنة ، جدير بمن يقفون تحت راية
الإسلام ، ويصلون إلى القبلة ، ويقرأون القرآن ويتشرفون يالإنتساب إلى
محمد صلى الله عليه وسلم ، جدير بهم أن يكونوا مع بعضهم ، على حال غير
هذا الحال ، وعلى أقوال غير هذه الأقوال ، دعوها فإنها منتنة .
وتذكروا أن المفلس يوم القيامة من يعطى الناس من حسناته حتى تفنى ،
تذكروا قول الله تبارك وتعالى : {
وَلَا تَنَابَزُوا
بِالْأَلْقَابِ } [الحجرات 11] ،
وقوله : {ِإنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
}[الحجرات :12]، «
المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا
يحقره » رواه الشيخان عن أبي هريرة
.
وأن مقتضى الأخوة التى فهمها سعد حين آخى النبي صلى الله عليه وسلم
بينه وبين عبد الرحمن ، أن قال سعد لعبد الرحمن : خذ نصف مالي ونصف
أهلي ، وأن السلف كانوا يقولون لا تتم الأخوة بين اثنين حتى يقول
أحدهما للآخر : يا أنا ، فيا أنا الإخوانى غفر الله لى ولك ، سامحني
عما بدر منى فى حقك ، وقد سامحتك على ما بدر منك ، هيا نطوى هذه
الصفحة ، ونبدأ معاً صفحة بيضاء ، لا تنابز فيها ، ولا معايرة ، ولا
سوء ظن ، صفحة ليس فيها إلا أخلاق الجسد الواحد ، فيا أعضاء الجسد
الواحد ، تذكروا أن كلنا نسعى للتمكين ،ونبحث عن النصر ، ونرجو إقامة
دولة الإسلام فعلى أى شيء نتنابز ونتسافه ويحقر بعضاً بعضاً ، أحسنوا
الظن ببعضكم ، وتفرغوا لأعداء الدين وأعدائكم وكونوا عباد الله
إخواناً .
ليس عيباً أن نختلف ، ولكن العيب ـ كُل العيبِ ـ أن يكون هذا هو
مستوى الحوار بيننا ، والعيبُ ـ كلُ العيبِ ـ أن نتقاتل والأعداء ـ لا
أقول على الأبواب ـ بل هم بيننا .
قال على بن أبى طالب وقد قُتل طلحة والزبير فى الجيش الذى كان يقاتله
: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم : {
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ
إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ
} [الحجر :47].
يقول يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة،
ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن
نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟.
والشافعي هو القائل : ما ناظرت أحداً على الغلبة ، ولا ناظرت أحداً
إلا وتمنيت أن يكون الحق معه ، ولا ناظرت أحداً فأحببت أن يخطأ ، رأيي
صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب .
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
} [الحشر :10]
kaledshafey@yahoo.com
خالد الشافعي
داعية مصري سلفي
- التصنيف: