السلفية والأحداث السياسية
حينما نتكلم عن السلفية يجب أن ننظر إليها على أنها حركة لها خصوصية من بين الحركات الإسلامية؛ فالإخوان المسلمون مثلاً حركة لها جهاز تنظيمي مهيكل له أعضاؤه ولجانه المنتشرة في كل مكان، ولهم مواقفهم محسومة أو شبه محسومة...
حينما نتكلم عن السلفية يجب أن ننظر إليها على أنها حركة لها خصوصية
من بين الحركات الإسلامية؛ فالإخوان المسلمون مثلاً حركة لها جهاز
تنظيمي مهيكل له أعضاؤه ولجانه المنتشرة في كل مكان، ولهم مواقفهم
محسومة أو شبه محسومة، خاصة فيما يتعلق بدخولهم في السياسة وتأثيرهم
في السياسة بشكل عام، والذي شكّل عبئًا كبيرًا على النظام البائد،
ويشكل تحديًا كبيرًا كذلك للنظام القادم، ويكشف مدى مصداقيته.
أما السلفية فليس لها هيكل إداري موحد على الدولة بأكملها، بل جماعات
منتشرة في أنحاء مصر كل جماعة لها قائدها، وهم على غير تواصل كامل
فيما بينهم، مع اتفاق جميعهم في ملامح المنهج العامة، وكان ذلك أحد
أسباب تهميشهم الواضح في الحياة المصرية بشكل عام، كما أنهم أخذوا
قناعات عديدة من أكثرها بداهة هو أن الحكم بيد الله، وأنه لا حق لأحد
أن يشرع غير الله لقوله تعالى: {إِنِ
الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ
فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، وعلى هذا فالمجالس
التشريعية هي مجالس باطلة، بل تدخل في نطاق الشبهة المكفرة_وهم يفرقون
بين تعيين الكفر على الأشخاص وبين إطلاق الكفر على الفعل فكلٌّ له
ضوابطه- وبنوا على ذلك حرمة الاشتراك في انتخابات المجالس التشريعية،
ما شكّل فرقًا وخلافات بين الإخوان وبين السلفيين، وساعد من قناعتهم
هذه أن الانتخابات ليست مجدية بالمرة يحوطها التزوير، وإذا ما نجحت
يُنظر لحامل الدين بازدراء وعلى أنه قوة ضعيفة لا يُسمع لها، ولا يكون
لها شوكة، والفوبيا التي نشرها النظام البائد من الإخوان والإسلاميين
عمومًا كانت لها تأثيرها على وسائل الإعلام ومختلف الأجهزة
الرسمية.
هذا الموقف للسلفيين من السياسة والدخول فيها أدّى إلى ارتباك كبير
يقع فيه القادة في شتى المحافظات، فمنهم من أطلق على الثورة التي قامت
في بداياتها أن هذه المظاهرات لا تجوز شرعًا، وآخر استجاب لهذا الأمر
وحرّض عليه، وثالث أمسك عن الكلام بصفتها فتنة حتى تنجلي، والواضح في
ذلك أن كثيرًا من الشباب السلفيين لم يعيروا أسماعهم لكل هذا بل
انطلقوا انطلاقًا تلقائيًا، وانسجموا مع هذه الثورة من بداياتها إلى
الوقت الحالي، وكنا نشاهدهم على الشاشات، وجزء آخر من السلفيين رأوا
أنهم ما لم يشاركوا في هذه الثورة على أساس أن فيها حرجًا شرعيًا،
فضرب مثالاً رائعًا لحماية الممتلكات العامة والخاصة والمواطنين
وتوفير الاحتياجات الغذائية كذلك، وقد رأينا بأعيننا أمثلة على ذلك،
ما شكل تقاربًا كبيرًا -ولأول مرة- بين السلفيين والجيش، وكسر الحاجز
الذي كان بينهما.
رأينا في المرحلة الأخيرة أيضًا تحوّلاً واضحًا في خطاب بعض قادة
السلفيين الذين تصدّروا المشهد، وانخراطهم مؤخرًا في الأحداث الجارية،
فبدأوا على أساس بدهياتهم بنشر ملصقات وعقد مؤتمرات في شتى المحافظات،
يدعون فيها بعدم المساس بالمادة الثانية، والطلب بتفعيلها، ونحو ذلك
من القرارات، ورأينا كلامًا عن المواطنة وحق القبطي وحمايته، كذلك
منهم من سمّى هذه الثورة بالمباركة، وأيّد ما حدث فيها من خير للأمة
عمومًا.
على هذا توجد عدة نقاط تحتاج إلى إعادة نظر من قبل قادة السلفيين في
مصر، وأنا اقترح عدة اقتراحات في هذه العجالة قد تساعد على تحسن الوضع
السلفي العام، ودخولهم في الساحة الجديدة التي ستشهدها مصر.
أولاً: هدوء اللغة نسبيًا فيما ينادون به، ولنعلم جميعًا أن المباشرة
في الحوار هي أقرب الطرق للعرض، وكذلك أقربها للرفض(وعلى هذا
فالمناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية حاليًا لا محل له إلاّ أن يثير
بلبلة ويرفض هذا الكلام)، فنحتاج إلى تطوير شديد لخطابنا الذي نخاطب
به مجتمعًا متعدد الأفكار والرؤى، فلابد في حوارنا أن نفترض رأيًا آخر
حتى ولو كان مخالفًا لنا ونحترمه كذلك.
ثانيًا: إذا ما نظرنا إلى اليهود وإلى قلة عددهم بالنسبة للمسلمين في
العالم، وإذا نظرت كذلك إلى مدى تأثيرهم في العالم كله، فهمنا كثيرًا
أن هذا لم يكن حصيلة يوم أو شهر، بل حصيلة مئات السنين من التخطيط لكي
يصلوا إلى هدفهم، وقد حققوا فيه إنجازات كثيرة. نحن افتقدنا هذا الأمر
أي التخطيط، ولابد أن نفهم أنه من أسهل الطرق وأيسرها أن تأخذ جانبًا
وتصرخ كما يصرخ الأطفال، ولكن من الصعوبة بمكان أن تخطط كيف تقدم
نفسك، وتفرض دعوتك ومنهجك دون إجبار أو إكراه، والنموذج التركي على
الطريق من ذلك.
والشريعة الإسلامية بها من المرونة الكافية التي تتعامل مع كافة
الأشكال والأطياف والتيارات، كما أن الآراء الفقهية مليئة بالخيارات
التي يمكن أن تُستغل في وقتنا الراهن، ورحم الله سفيان الثوري الذي
كان يقول: "إنما العلم أن تسمع بالرخصة عن ثقة، فأما التشدّد فيحسنه
كلُّ أحد".
ثالثًا: من الأشياء التي يجب إعادة النظر فيها هي دخول المجالس
النيابية والاشتراك في الحياة السياسية، وهذا يجرّنا إلى صناعة
الأحزاب، فلماذا لا يشكل السلفيون حزبًا ينضمون إليه، وتوجد تجارب في
بلدان إسلامية كثيرة يتعين النظر إليها.
رابعًا: الانفتاح على كافة التيارات الموجودة في مصرنا الحبيبة،
وإجراء حوار مع الإسلاميين أنفسهم، كذلك مع غير الإسلاميين والقرآن
الكريم مليء بالحوار مع أهل الكتاب وغيرهم، فنحن قد افتقدنا المواجهة
الهادئة في كثير من الأحيان؛ فعاش الكثير بمعزل عن الساحة، ولنستحضر
قاعدة المنار الذهبية "نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضًا فيما
اختلفنا فيه".
خامسًا: ظهور السلفيين للساحة دون خوف أو وجل، ولا اعتبار بعد ذلك
للمصالح والمفاسد التي كانت تُقال حينما كان يحكم النظام البائد قبضته
الأمنية على الإسلاميين، ولابد أن تجعل لك ردًا سلميًا إذا أقصيت، وقد
أثبتت المظاهرات جدارتها في إزاحة الظلم، وقيام العدل.
سادسًا: الاستعانة بكافة التخصصات لكي يكون شكلاً علميًا رائقًا؛
فالمتحدث الإعلامي باسم السلفية لابد أن يكون على المستوى.
سابعًا: التنسيق بين كافة السلفيين المنتشرين بين أنحاء الجمهورية،
والتنسيق بين قياداتها، لاسيما في القاهرة والإسكندرية، وكفر الشيخ،
والمنصورة، وهذا مفتقد تمامًا ساعد عليه عدة عوامل، مضى كثير منها،
ومحاولة التنسيق بينهما وبين الإخوان؛ فالكل مقصدهم إصلاح الدنيا
بالدين.
ثامنًا: الاستعانة بقانونيين لتشكيل هيكل حزبي لا يتعارض مع الشرعية
الدستورية الجديدة، كذلك يحتفظ بالرؤية الخاصة للسلفيين؛ فتنوّع
الأحزاب تعني تنوع الرؤى.
تاسعًا: إعداد اختصاصات في كافة المجال بعد البحث عنها، ولابد من مضي
عهد الشيخ الذي يفهم في كل شيء، وإذا تكلم تكلم من رأسه دون تحضير أو
مراجعة؛ فلابد من دقة الكلام وعمقه، والاستعانة باختصاصيين في شتى
المجالات كالاقتصاد والسياسة وغيره.
عاشرًا: عدم التخوين أو الاتهامات التي شاعت وذاعت، وانخدع بها كثير
من السلفيين متلقفين ذلك بغير وعي من الأمن؛ فالتخوين والاتهام ليس من
شيم الإسلام، ولا ننسى قول الله -عزوجل- عن أهل الكتاب {ليسوا سواء}؛ فكل الناس سواسية في
الحكم حتى يظهر دليل على الاتهام، {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ
فَتَبَيَّنُوا} وفي رواية "فتثبتوا"، وهذا مع كل الناس وليس
المسلم فقط، والشغل بالعمل أهم من الأشخاص.
وغير ذلك من الاقتراحات، والتي قد تساعد في نهضة الأمة الإسلامية،
والله الموفق.
- التصنيف: