جهود الإخوان المسلمين الشعبية في أزمة مصر
... وعرضوا في الميكروفونات تفصيلا أسعار السلع التي يبيعونها، ما دفع المحال التجارية في تلك المناطق إلى الامتناع عن استغلال ظروف الإغلاق وخفض أسعارهم لمواجهة المنافسة.
ليس بإمكان المتابع للأحداث الدموية المتسارعة على الساحة المصرية
إغفال الوجود الحيوي لجماعة الإخوان المسلمين، الفصيل السياسي الأكبر
في الشارع، رغم محاولتها الابتعاد عن الأضواء وامتناع قادتها عن تصدر
الحدث خوفا من استخدام النظام فزاعة الإسلاميين لحشد تأييد الغرب ضد
الحركة الشعبية المنادية بإسقاط النظام.
فالجماعة التي اعتمدت في شعبيتها خلال العقود الماضية على الاتصال
بالشارع وتقديم خدمات له، من خلال لجان البر، التي حشدت لها الكثير من
التأييد خاصة في الأماكن الفقيرة، انتهجت نفس هذه السياسة في الأحداث
الأخيرة.
وبعيدا عن المشاركة بكثافة في المظاهرات المنادية بإسقاط الرئيس
المصري محمد حسني مبارك والتي بدأت في 25 يناير الماضي، كثفت الجماعة
جهودها لاحتواء الأزمة الأمنية والاقتصادية التي نتجت عن انسحاب
الشرطة من الشوارع وإطلاق السجناء و"مسجلي الخطر" لنهب الأموال العامة
والخاصة.
وكانت "جمعة الغضب" التي خرج فيها المصلون من المساجد بعد صلاة
الجمعة وانضم إليهم الكثير من العلمانيين والمسيحيين في الشارع
للتظاهر ضد نظام مبارك الذي يحكم البلاد منذ 30 عاما، قد شهدت
اشتباكات واسعة بين قوات الشرطة والمتظاهرين.
وانتهي اليوم بانسحاب قوات الأمن والشرطة من الشوارع بالكامل وتخليهم
عن مهامهم حتى في حراسة المنشآت وتنظيم المرور، في خطوة اعتبرت
"إجرامية" من قبل النظام الذي تعمد ترك البلاد في حالة من الفوضى
ولسان حاله يقول للمصريين "إما مبارك وإما الفوضى".
ولم يقتصر الأمر على انسحاب الشرطة بل أطلق الضباط آلاف السجناء من
أقسام الشرطة ومقرات الاحتجاز بل ومن السجون أيضا، ودفعوهم إلى عمليات
سلب ونهب واسعة للمنشآت العامة والخاصة.
ووصل الأمر إلى حد سرقة المتاجر والمحال الكبيرة، إلى حد أن شهود
عيان أفادوا بأن اللصوص خرجوا محملين بأجهزة كهربائية من ثلاجات
وغسالات وأجهزة تلفزة عيانا بيانا دون تدخل من أي شرطي.
وانتشر اللصوص في الشوارع يروعون الآمنين ويقطعون الطرقات ويصعدون
إلى المنازل ليسطوا عليها، ويكسرون أبواب المحال التجارية الصغيرة في
شوارع القاهرة والأسكندرية وينهبوا كل ما حوته الأرفف.
وفي ظل هذه الفوضى العارمة والخوف، نشط شباب جماعة الإخوان المسلمين
في تنظيم فرق حراسة ليلية لحماية الشوارع والممتلكات العامة والخاصة.
وانطلقت من أبواق المساجد الصغيرة نهاية نهار الجمعة دعوات للشباب
للحضور إلى المسجد لصلاة المغرب جماعة وارتداء ملابس رياضية ثقيلة
للوقاية من برد يناير القارص استعدادا لتقسيهم إلى مجموعات وتوزيعهم
على مداخل ومخارج الشوارع الرئيسية والداخلية لتأمين المناطق من خطر
"البلطجية" الذين يجوبون الشوارع على ظهور دراجات بخارية وسيارات
مسروقة.
وبفضل غياب قوات الأمن ومخبريهم (الشرطة السرية)، استطاع الإخوان
تجميع الشباب مستخدمين أبواق المساجد التي كانوا ممنوعين منها تحت
القبضة الأمنية التي تحكم البلاد.
وعلى رأس كل شارع، وقفت فرق الشباب متسلحين بعصي أو سكاكين المطبخ أو
أي شيئ تصل إليه أيديهم، للدفاع عن ممتلكاتهم. واستطاعت تلك الفرق
بالفعل إيقاف العديد من اللصوص وجرى تسليمهم إلى قوات الجيش التي
انتشرت في الشوارع الرئيسية فقط عقب انسحاب الشرطة.
وجرى التنسيق بين فرق الدفاع الشعبي المختلفة في الأحياء السكنية،
فما أن تقبض إحدى الفرق على سيارة وتجد على متنها مسلحين من البلطجية
حتى توسعهم ضربا لتعرف منهم موعد قدوم السيارات التي تليها ومن ثم
تحذر باقي فرق الدفاع.
استطاع الشباب إعادة الأمن وفرض النظام في أحيائهم، ما دفع الكثير من
المصريين لاعتبار أن الشوارع باتت آمنة أكثر مما كانت عليه في وقت
وجود الشرطة.
أما نهارا، ففي ظل غياب الشرطة أصبحت حركة المرور في حالة أسوأ مما
هي عليه أصلا في شوارع مصر. فقام الشباب بدور كبير في تنظيم حركة
المرور وتسيير الشوارع.
كان تشكيل فرق الدفاع فرصة للإخوان للالتقاء بشباب لم يعهدوا دخول
المسجد أو حتى الصلاة في البيت، ولم يفت الإخوان دورهم الرئيسي من
الدعوة، فقاموا ببث بعض الدروس في أبواق المساجد ليستمع إليها الشباب
خلال نوبات الحراسة الليلية.
وشلمت بعض هذه الدروس نصائح للشباب بالابتعاد عن بث الشائعات ونشرها
وعدم التخريب في الأموال العامة، إلى جانب التأكيد على فضل حماية
الممتلكات وفضل من بات يحرس في سبيل الله.
أما على صعيد الخدمات، فمع تعطل كافة الأعمال الرسمية في المدن
المصرية، توقفت شركات نقل القمامة عن العمل، فامتلأت الشوارع بأكوام
تزكم الأنوف. فقام ناشطوا جماعة الإخوان المسلمون باستئجار سيارات نقل
كبيرة جابت شوارع الأحياء السكنية وجمعت القمامة من الشوارع، ونادت
السكان طالبة منهم إرسال قمامتهم ليتم جمعها.
وكان للإخوان مذلك دور في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي نشأت بسبب
ارتفاع أسعار كافة السلع والخضروات والفاكهة خلال "أسبوع الغضب". فقد
ارتقفت الأسعار في المدن المصرية بنسب تفاوتت بين 20% و100%، وذلك
بسبب نقص السلع وإغلاق المنشئات العامة ونهب المحال الكبرى. كما لم
يفت بعض التجار استغلال الظرف لرفع أثمان السلع معتمدين على إسراع
الناس لشرائها بأي ثمن خوفا من نقصها خلال الأيام التالية.
وساهم حظر التجول كذلك في رفع أسعار السلع نظرا للإقبال الكبير على
الشراء في الساعات القليلة التي لا يحظر فيها التجوال.
وفي مواجهة هذا الغلاء، دفعت الجماعة بشبابها إلى شراء المنتجات من
الأسواق الكبرى وشراء الخضروات والفاكهة بالجملة من الموردين وبيعها
للسكان بسعر التكلفة.
ووقف الشباب على عربات البضائع، في الشوارع الرئيسية وفي الأحياء
السكنية، منادين من خلال أبواق بأنهم يبيعون الخضر والفاكهة بسعر
الجملة. وعرضوا في الميكروفونات تفصيلا أسعار السلع التي يبيعونها، ما
دفع المحال التجارية في تلك المناطق إلى الامتناع عن استغلال ظروف
الإغلاق وخفض أسعارهم لمواجهة المنافسة.
29/2/1432 هـ
- التصنيف: