الطبيب والدعوة إلى الله

منذ 2017-04-27

والأطباء من جملة من ينطبق عليهم وصف الله للعلماء الذين يخشونه سبحانه بقوله:{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28].

قديماً قيل:

"الطب محراب الإيمان". ولعل سبب هذه المقولة راجع إلى ما يشاهده الطبيب عن قرب، ويلمسه بأنامله من عجيب صنع الله في البشر، وقد أمرنا المولى تبارك وتعالى أن نمعن النظر في أنفسنا؛ فقال:   {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:20،21]، فالطبيب هو من يلمس ذلك عن كَثَب، وهذا يدعوه لزيادة إيمانه وصلته بالله، الذي أبدع في خلقه للإنسان، والطبيب هو أول من يعلم أن حياة هذا المخلوق كلٌ متكامل، إن أراد الله تعطيل جهاز منه تخلخلت وظائف الجسد كله، وتداعت له الأعضاء بالحمى والسهر.

 

والأطباء من جملة من ينطبق عليهم وصف الله للعلماء الذين يخشونه سبحانه بقوله:{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28].

 

وإن أعجب فلا ينقضي عجبي من صنفين من الأطباء؛ أولهما: هذا الطبيب المُسْتَهْتَر، الذي اتخذ هذه المهنة الإنسانية النبيلة وسيلة لسد طمعه وجشعه، الذي لا حدَّ له ولا نهاية، وافتخاره بمركزه الاجتماعي، ساعياً ليصرف وجوه الناس إليه، لا يراعي حق الله في عمله، ولا يخلص لمرضاه، ولا يجتهد لهم في النصيحة، وكل همه ما في جيوب مرضاه، لا ما في أجسامهم من علل وأسقام وأمراض؛ فبالله، كيف يستحق مثل هذا وأمثاله اسم الطبيب؟! وكيف يستحق رداءه الأبيض الذي يدل على الطهر والصفاء والإنسانية؟!!

 

وصنف آخر قريب من الأول، لكنه أفضل منه بقليل؛ فهو يؤدي واجبه في مهنته الإنسانية بكل أمانة، ودون طمع ولا جشع، وحريص على إرجاع البسمة والصحة والعافية إلى قلوب ووجوه مرضاه وأجسامهم، لكن دوره ينتهي أو ينهيه عند هذه النقطة، وهذا لا عيب فيه، وإنما النقص هو الوقوف عند هذا الحد، وعدم الطموح للمعالي، ولو نظر هذا الطبيب حوله قليلاً متسائلاً: ما الذي يدفع ذلك الطبيب الأوربي الأبيض المرموق في بلده، أو تلك الفتاة الشقراء الحسناء، أن تترك أهلها وديارها وملاذ حياتها، المتوفرة بكثرة في وطنها، ويدفعها إلى بلاد أصابها الوباء، وارتفعت حرارتها إلى حد اللهيب، وانتشر فيها الجوع إلى حد الهلاك؛ لتشارك في حملات طبية، وتقدم العلاج إلى المنسيين في الأرض؟ لو سأل هذا الطبيب المسلم نفسه هذا السؤال المهم، لوجد الإجابة تُدِينُه، وتطالبه ألا يقف في مهنته عند حد وأفق معيَّن.

 

الجواب يا سيدي الطبيب:

أن ذلك الطبيب والممرضة الغربيين، دفعهم التبشير بدينهم المحرَّف المنسوخ ليتركوا وراءهم الماء والخضرة والوجه الحسن، ويساهموا في حملات التنصير، بأجر أو دون أجر، المهم أنهم حملوا همَّ دينهم الفاسد وعقيدتهم الضالة، وقدموها للمنسيين الفقراء بثوب أبيض ناصع.

 

أنا لا أقول لك: يا حبيب، يا طبيب، اترك أهلك وأبناءك ووطنك وعيادتك ومرضاك إلى الأبد، وتنقَّل بين القرى، أو اذهب إلى مجاهل أفريقيا، وامكث هناك مكثاً لا رجوع بعده، لا؛ فهذا طلب تعجيز، ولن يطلبه أحدٌ منك؛ فأنت قبل كل شيء بشر، درست وتعبت وسهرت، وأفنيت نفسك في سبيل الوصول لهذه المكانة، ومن حقِّك أن تنال ثمرة تعبك وجهدك، لكن اعلم: كما أن في المال حقُّ الزكاة، وهو ربع العشر، أي 2,5 % كذلك اجعل هذا الحق في مهنتك، فماذا يضيرك لو فكرت بحملة دعوية، تقدم فيها الإسلام الناصع السمح الراقي للعالم مرة في العمر، أو كل خمس سنوات، أو أقل أو أكثر؛ فتكون قد زكَّيت مهنتك كما زكيت أموالك!

 

وبهذا تكون طبيباً داعية حقاً، واعلم أن أثرك في الناس سيفوق بمئات المرات تأثير الداعية العادي، وستجد عند الله القبول والثناء الحسن، وسيحبك الرب - تبارك وتعالى - ويجعل لك القبول في الأرض، وكن على ثقة من أن الله - سبحانه - سيعوِّضك عن كل ما بذلته من جهد ومال ووقت. واقرأ إن شئت عن سيرة الطبيب الداعية عبد الرحمن السميط، وفقه الله.

الكاتب: محمد مصطفى علوش