في ظلال رمضان - في ظلال رمضان.. (1) من (30)
كما أن تناولك رحمة فامتناعك رحمة.. ثق في هذا وتعامل مع الله تعالى على هذا المأخذ
(الرحمة في تناول الطيبات حيث أُمرت، وترْكِها حيث أُمرت)
إن الذي خلق الإنسان وخلق حاجته للطعام والشراب، وخلق له الأطعمة والأشربة، أمره أن يأكل مما خلق له من الطيبات، وحرم عليه أن يحرم على نفسه من تلقاء نفسه، وحرم عليه أن يتقرب إلى الله تعالى بترك الطيبات وعدها رهبانية غير مقبولة.. ولما همّ بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك اللحم والطيبات وترك النساء والتبتل، نهاهم عن هذا، وأخبرهم أن هذا مخالف للتقوى ي {أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} ..
والله تعالى رحيم وكريم {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: «فإني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني» .
فترْك ما أحل الله تعالى ليس قربة بإطلاق، وتحريم ما أحل جريمة {يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا، ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} وبإجماع المفسرين، فخطوات الشيطان هنا هي أمره بتحريم ما أحل الله تعالى على وجه القربة اليه، وكذا قوله تعالى بعد ذكره لما خلق من الزروع أخبر تعالى أنه أنشأ: {ومن الأنعام حمولة وفرشا} ثم قال تعالى آمرا وناهيا: {كلوا مما رزقكم الله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين}
إن الذي خلق هذا وأمرنا أن نأكل منه وحرم علينا الإمتناع، هوسبحانه من أمرنا بترك الطعام والشراب والشهوة نهار رمضان، فكما أن ترك التحريم عبادة فكذلك الامتناع عما نهى عنه وقت ما نهى عنه عبادة، فيُعبد الله تعالى بهذا وهذا، تمتنع حيث أمرك وتتناول حيث أمرك، هكذا عبد الله..
وكما أن الإنعام بالنعم، من المنن العظام، فاعلم أن الرحيم الذي خلق لك ما تقتات ونهاك أن تشق على نفسك أو تمتنع، حتى أنك تأثم لو امتنعت عن الطعام والشراب حتى تهلك، هو الذي أمرك أن تمتنع أياما معدودات في رمضان، فاعلم أنه كما أن خلْق الطيبات وإباحتها مِنة، فاعلم أن تركها والنهي عنها في وقت محدد، لأمره تعالى، منة أيضا..
وكما أن الخلق جاء من الخالق الرحيم، والتناول مأمور به من المشرع الرحيم، فاعلم أن الإمتناع أيضا من المشرع الرحيم سبحانه وتعالى، فكما أن تناولك رحمة فامتناعك رحمة.. ثق في هذا وتعامل مع الله تعالى على هذا المأخذ..
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي