مع القرآن - دوائر الأبد

منذ 2017-07-20

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ * وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}   [المؤمنون 78 - 80 ] .

سبحانه متع خلقه بنعم لا يدرك مداها و لا يشكره عليها إلا القليل , و كأنهم يرون أنهم يستحقونها استحقاقاً و لو نظر أحدهم لمن ابتلاه الله بفقد تلك النعم لأدرك نعمة الله عليه.

لو نظر مبصر لأعمى أو سميع لمن لا يسمع أو متكلم لمن لا ينطق لعلم أن الله ابتلاه بنعمة تستحق الشكر كما ابتلى غيره بسلب نعمة تستحق الصبر .

و في النهاية فالأمر لا يخرج عن كونه دائرة صغيرة من دوائر الحياة الأبدية الكبيرة تبدأ أول نقطة من نقاطها بالولادة و تنتهي تلك الدائرة بالموت لتلتصق بدوائر أخرى أبدية لا نهاية لها في عالم آخر بدايته يوم الحشر حين تنفتح تلك الدائرة مع دوائر أخرى لتتسع الدوائر بلا نهاية , و ما الليل و النهار و تعاقبهما إلا مثال لتلك الدوائر المتعاقبة .

 {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ * وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}   [المؤمنون 78 - 80 ] .

قال السعدي في تفسيره:

يخبر تعالى بمننه على عباده الداعية لهم إلى شكره، والقيام بحقه فقال: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ }  لتدركوا به المسموعات، فتنتفعوا في دينكم ودنياكم،  {وَالأبْصَارَ }  لتدركوا بها المبصرات، فتنتفعوا بها في مصالحكم.

{وَالأفْئِدَةَ } أي: العقول التي تدركون بها الأشياء، وتتميزون بها عن البهائم، فلو عدمتم السمع، والأبصار، والعقول، بأن كنتم صما عميا بكما ماذا تكون حالكم؟ وماذا تفقدون من ضرورياتكم وكمالكم؟ أفلا تشكرون الذي من عليكم بهذه النعم، فتقومون بتوحيده وطاعته؟. ولكنكم، قليل شكركم، مع توالي النعم عليكم.

 {وَهُوَ }  تعالى { الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ } أي: بثكم في أقطارها، وجهاتها، وسلطكم على استخراج مصالحها ومنافعها، وجعلها كافية لمعايشكم ومساكنكم، { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } بعد موتكم، فيجازيكم بما عملتم في الأرض، من خير وشر، وتحدث الأرض التي كنتم فيها بأخبارها { وَهُوَ } تعالى وحده { الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي: المتصرف في الحياة والموت، هو الله وحده،  {وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ }  أي: تعاقبهما وتناوبهما، فلو شاء أن يجعل النهار سرمدا، من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه؟ ولو شاء أن يجعل الليل سرمدا، من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تبصرون؟. (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون).

ولهذا قال هنا: {أَفَلا تَعْقِلُونَ } فتعرفون أن الذي وهب لكم من النعم، السمع، والأبصار، والأفئدة، والذي نشركم في الأرض وحده، والذي يحيي ويميت وحده، والذي يتصرف بالليل والنهار وحده، أن ذلك موجب لكم، أن تخلصوا له العبادة وحده لا شريك له، وتتركوا عبادة من لا ينفع ولا يضر، ولا يتصرف بشيء، بل هو عاجز من كل وجه، فلو كان لكم عقل لم تفعلوا ذلك.

 

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ
المقال التالي
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُونَ