مع القرآن - تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ

منذ 2017-08-14

{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}  [الفرقان 1 - 2]

سبحان من خضعت لعظته الرقاب و دان الجميع لحكمه و حكمته و قدره و قدرته .

أنزل سبحانه رسالته على رسوله الخاتم صلى الله عليه و سلم رسالة فارقة بين الحق و الباطل و بين أهل الحق و أهل الباطل إلى قيام الساعة .

فمن عظم هذه الرسالة و آمن بها و اتبع ما فيها من نور فهو السعيد , و من أعطاها ظهره أو عاداها فقد سلك دروب الهلاك .

و كيف لا يكون النور و الهدى الكامل بيد من ملك كل شيء بلا ولد و لا شريك و لا معاون , و قدر مقادير الخلائق و الكائنات بكل حكمة و دقة .

{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}  [الفرقان 1 - 2]

قال السعدي في تفسيره :

هذا بيان لعظمته الكاملة وتفرده بالوحدانية من كل وجه وكثرة خيراته وإحسانه فقال:  {تَبَارَكَ} أي: تعاظم وكملت أوصافه وكثرت خيراته الذي من أعظم خيراته ونعمه أن نزل هذا القرآن الفارق بين الحلال والحرام والهدى والضلال وأهل السعادة من أهل الشقاوة، {عَلَى عَبْدِهِ}   محمد صلى الله عليه وسلم الذي كمل مراتب العبودية وفاق جميع المرسلين،{لِيَكُونَ} ذلك الإنزال للفرقان على عبده { لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}   ينذرهم بأس الله ونقمه ويبين لهم مواقع رضا الله من سخطه، حتى إن من قبل نذارته وعمل بها كان من الناجين في الدنيا والآخرة الذين حصلت لهم السعادة الأبدية والملك السرمدي، فهل فوق هذه النعمة وهذا الفضل والإحسان شيء؟ فتبارك الذي هذا من بعض إحسانه وبركاته.

{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}  أى: له التصرف فيهما وحده، وجميع من فيهما مماليك وعبيد له مذعنون لعظمته خاضعون لربوبيته، فقراء إلى رحمته الذي{لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ}  وكيف يكون له ولد أو شريك وهو المالك وغيره مملوك، وهو القاهر وغيره مقهور وهو الغني بذاته من جميع الوجوه، والمخلوقون مفتقرون إليه فقرا ذاتيا من جميع الوجوه؟"

وكيف يكون له شريك في الملك ونواصي العباد كلهم بيديه، فلا يتحركون أو يسكنون ولا يتصرفون إلا بإذنه فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلم يقدره حق قدره من قال فيه ذلك ولهذا قال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ}   شمل العالم العلوي والعالم السفلي من حيواناته ونباتاته وجماداته، {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}   أي: أعطى كل مخلوق منها ما يليق به ويناسبه من الخلق وما تقتضيه حكمته من ذلك، بحيث صار كل مخلوق لا يتصور العقل الصحيح أن يكون بخلاف شكله وصورته المشاهدة، بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد لا يناسبه غير محله الذي هو فيه. قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}   وقال تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}   ولما بين كماله وعظمته وكثرة إحسانه كان ذلك مقتضيا لأن يكون وحده المحبوب المألوه المعظم المفرد بالإخلاص وحده لا شريك له .

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا
المقال التالي
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَة