من ينهي الحكاية - مذكرات مرابطة (6)

منذ 2017-08-26

سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).

غرفة_التحقيق:

دخلتُ مركز "النبي يعقوب" بقوةٍ ما عهدتها من نفسي أمدّني الله بها من حيث لم أحتسب برفقة زوجي، جلسنا في غرفة الانتظار لدقائق طويلة قاربت ال45 دقيقة، جلستُ أتذكر توالي الأحداث بعد أن جاء ذلك الضابط متنكراً بزيّ سائح لحضور درسي.

بعدها بفترةٍ قصيرة كلّم هذا الضابط أخي بمكالمة هاتفية ينصحه أن يبعدني عن طريق الأقصى وترك الأنشطة التي أقوم كل يوم بها مهدداً إيّاه بي، ولم آبه بتهديداته!

ثم اتصالٌ صباح هذا اليوم على هاتفي من رقم خاص رددتُ قائلة: السلام عليكم، وتذكرتُ صوت ذلك الضابط نفسه وهو يرد قائلاً: وعليكم السلام، أم محمود؟

أجبته: لا، ثمّ أغلقتُ الخطّ ليرنّ مرة أخرى ويعاود سؤالي: هنادي الحلواني؟!

أخبرته أن الرقم خاطئ وأغلقت الخط دون أن أعطي له مجالاً للحديث.

لقد كانت المرة الأولى التي يحصل بها هذا الإجراء من قبلهم وطلب إحدى الأخوات بمكالمة هاتفية، يبدو أن الكيل فاض بهم ويدؤوا بالتصعيد بطريقة أخرى.

حين لم يجد مني أذناً تصغي له، حدّث زوجي وأمره أن يحضرني لمركز "النبي يعقوب" للتحقيق، قائلاً في معرض الحديث متصنعاً الظرافة:" صبرت عليها لبعد رمضان والعيد عشان توخد راحتها وما نضغط عليها، جيبها للتحقيق"

والآن، ها نحن ننتظر الدخول لغرفة التحقيق بعد أن استشرتُ محامياً وأخبرني أنني ملزمةٌ بحضور التحقيق!

بعد قليلٍ أخذونا لغرفةِ تحقيقٍ معتمة برائحةٍ كريهة لا تطاق وكأنهم يتعمدون إظهارها أمام زوجي، ثمّ أخرجوه لأن التحقيق لي وحدي.

قامت مجندةٌ بتفتيشي تفتيشاً عارياً مذلاً، ثمّ أخذ الضابط نظارتي يتفحصها وأنا أحاول استفزازه قائلةً: "مفكر فيها كاميرا زي نظاراتك؟"

انتقلت لغرفة التحقيق برفقة ضابط الشاباك نفسه، وجنديّ ومجندة، بدأ بسؤالي أسئلةً عادية وأنا أتعمد استفزازه واللف والدوران، يسألني عن أبنائي وعددهم، ولون سيارتي.

ثم قال: "بتعرفي انو زوجك متزوج عليكِ"

أمعنتُ في سؤاله الساذج الذي انبعث من فمه العفن، وأدركتُ أنه يحتاج إجابةً بمستوى السؤال فأجبته: "آه طبعاً، أنا زوجته الثالثة"، ثم قال فجأة وهو يتذكر حين سألني عن اسمي فأجبته مموهةً أن اسمي "أم حسين": اااه، أم حسيييين، كيف زوجك بقبل تكوني أم حسين وهو أبو محمود؟
فأجبته بقلة اكتراث: بحب اسم حسين وزوجي ما عندو مشكلة!
فقال بصفاقة: لو مكان زوجك بفقعك كفين!
فرددتُ ببرود: هاد إنتَ.

أدركَ أنه لن يستطيع استفزازي بسهولة، فبدأ بالصراخ والتهديد والضرب على الطاولة ضرباً عنيفاً يهتز له جهاز الحاسوب المضيء عليها في غرفة التحقيق المظلمة، مستفزاً من هدوئي وثباتي، خاصةً وأني كنت أواجه عاصفة الصراخ العنيفة بقولي: " شوي شوي شو ذنب الطاولة؟"

"طيب عشانك ليصيرلك اشي ليش كتير معصب"

"وجهاز الحاسوب شو ذنبو؟"

استشاط غضباً وهددني بقطع التأمين الصحي والوطني، ثم الابعاد لغزة فرددت عليه: ممتاز غزة أرض العزة، يشرفني أكون هناك، فقال صارخاً: لتركيا!فأجبت: اوووه مين بصحلو يروح لتركيا!

بدأ يحاول اللعب بعاطفتي يذكرني بابنتي التي ستكبر بدون أمها، ووالدي وزوجي وأطفالي وأنا أرد بلا مبالاة: "وانت ليش قالق حالك فيهم؟"

انتهى التحقيق، وخرجت برأس مرفوعة، لقد نلتُ منه.

يتبع...

المقال السابق
مذكرات مرابطة (5)
المقال التالي
مذكرات مرابطة (7)