وساوس التواصل الاجتماعي

منذ 2017-08-29

من الابتكارات التي طَلّت علينا كحدث جديد هي وسائل الاتصال الاجتماعي، التي غدت حديث الساعة، وشغل الناس الشاغل لهم، حتى أضحت ضرورة حياتية (في تصور البعض) يصعب الانفكاك عنها، حتى ارتقت إلى ظاهرة اجتماعية سائدة.

يحفل عصرنا الحديث في مطلع كل يوم بعشرات أو مئات الابتكارات التقنية الجديدة، التي تواكب متطلباتنا من حيث السرعة والجودة والراحة وقلة التكلفة، فتقف شريعتنا الغراء موقف المشجع إلى تحقيق تلك الأهداف طالما أنها في إطار المشروع والمعقول، فإن عارضت مبادئنا، عندها يستنفر الشرع النظر في ذلك التعارض، فإن زالت الشبه والعوائق وسلمنا من شررها فلا بأس بها، وإلا فحصن الدين يقف سداً منيعاً في وجه أي انتهاك للحرمات وارتكاب ما يعاقب عليه ديننا.  

ومن تلك الابتكارات التي طَلّت علينا كحدث جديد هي وسائل الاتصال الاجتماعي، التي غدت حديث الساعة، وشغل الناس الشاغل لهم، حتى أضحت ضرورة حياتية (في تصور البعض) يصعب الانفكاك عنها، حتى ارتقت إلى ظاهرة اجتماعية سائدة.

قصة ولادة هذه الوسائل في مجتمعاتنا (الإسلامية العربية):
وهذه الوسائل التي وفدت إلينا من بلاد غربية عبر الشبكة العالمية (الإنترنت)، كانت حكراً على كبار المسؤولين الأمنيين والتجار، ثم صارت تجارة لمنتج نادر وعجيب كتقليد وموضة عصرية، وعندما عجزت الحكومات على ضبطها أعطت الضوء الأخضر للتجار والأمنيين بتسويقها، ولكن بحرص شديد وبالتحكّم بشبكات الانترنت ومراقبتها، باستقدام أحدث الأجهزة التجسسية الحديثة، ثم انفجرت فصارت سلعة رائجة في الأسواق، إلى أن توافرت بيد كل مواطن.

وكما يقولون: (كل محجوب مرغوب) فعندما مُنع تداول هذه الوسائل كثر الطلب عليها فدفع الناس الغالي والرخيص لركوب موجتها، وقد راجت أكثر ونجحت في مجتمعاتنا بداية الثورات الشعبية (الربيع العربي)، فساعدت في نجاح الثورات وكان لها دور كبير في التفاعلات الشعبية، وهكذا تسارعت الأحداث ومع تسارعها تفوقت ونمت هذه الوسائل وعلا شأنها.

الاستعمال الخاطئ:
إن وُجد لهذه الوسائل التواصلية حسنات، فلها آلاف السيئات، وكما تعلمنا أن السكّين قد تنحر فيها جملاً فيكون أضحية تطعمها البائس الفقير والمسكين وابن السبيل فتكون قربى وطاعة، أيضاً لها عمل آخر في مجال الشرور فهي أداة قاتلة بيد الجناة لارتكاب الجرائم العظيمة، فيقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، فتكون إثماً ومعصية وكبيرة، فكيف إن كانت تلك الأداة بيد أحمق أو مغفل أو لا يتقن استعمالها؟! عافنا الله وإياكم وسلمنا من هذه الشرور.

وفي هذه المقالة نسلط الضوء على هذه الوسائل الـمُحدثة، بسرد حسناتها وسيئاتها، والدوافع لإنشائها، ثم نخلص لنتيجة، نرجو الله القدير أن يلهمنا الخير الصائب والحكمة الطيبة لما فيه الفائدة لنا ولجميع المسلمين خصوصاً والبشرية جمعاء عموماً.

بشارات وتهاني:
أبشركم جميعاً الحمد لله لقد أصبح عندي فيسبوك!!

أشكركم على تهانيكم في الواتس آب الجديد!!

مرحى مرحى.. لقد ضجّ هاتفي المحمول وحاسوبي بالكثير من مواقع التواصل الاجتماعية!!

أتحداك إن كان لديك اشتراكات وحسابات كما لدي أين تعيش يا رجل؟!

لم أعد أستطيع حفظ كلمات السر (الشيفرات) لكثرتها وكثرة البرامج فدونتها جميعاً في دفتر خاص أسميته (عالمي الخاص)!!
ها قد دخلنا وبشوق كبير إلى عالم وهمي أجوف، الداخل فيه من فرحته أضحى يعانق السحب، يرقص طرباً بقبوله في مجموعة متنافسة من الأشخاص، كل منهم يسابق الآخر لفضح ما عنده من أسرار، ونشر ما لديه من أوهام، والبوح بأشياء لم يفكر يوماً أن يرددها في قرارة نفسه، الجميع فيه كأنهم في حجرة زجاجية شفافة، الكل يرى خبايا الآخرين، فما تم ستره ظهر الآن، لا خصوصية لأحد، ولا حرمة لكلمة ولا لصورة ولا لموقع، الكل عارٍ أمام عدسة لا تُرى، بل أمام عدسات عدة، تَفشّى بينهم مرض التمسحة، فأصبحوا لا يُبالون فيمن يكلمون، ومع من يحاورون، وجرت في دمائهم حمى خبيثة بات اجتثاثها صعب المنال ألا وهي حمى الدردشة.

الماضي والحاضر:
لقد كان ماضينا أكثر مروءة وشهامة من حاضرنا، فلم يكن أحد  يجرؤ النظر في عين جارته، ووجه بنت خالته، وهيئة معلمته، فأصبح عصرنا المتحضر (كما يدعون) عصر الانفتاح والانشراح، لا والله بل عصر الافتضاح والانبطاح، فالصور الشخصية ملئت المواقع، صور بكل المقاسات والهيئات والحالات، كنا نتحرز في الماضي من الوقوف أمام عدسة الكميرا نحن والأهل خوفاً من إضاعتها فتتسرب الصورة ويراها أحد.. أما الآن فلا أحد يبالي من سيرى صوره العائلية، حتى من قلة الدين والأخلاق صارت صور الأعراس والحفلات مفضوحة منتشرة، بل ويفتخر صاحبها بنشرها ويتباهى..

ما هذا العصر؟!

هل هي الحرية والحضارة والمدنية والديمقراطية؟!

أي حرية تسمح للرجل بالخوض في حوار مع امرأة أجنبية وبدون أي ضوابط؟!

وأي حضارة تسمح لبنت أسرة ملتزمة الدردشة مع رجل غريب من باب المجاملة والشكر والتعارف (كما يدعون)؟!

للأسف هذا هو الواقع الأسود، فالكثير ممن اكتنز موقعاً للتواصل الاجتماعي يضيع ساعات طوال في شكر على تعليق فارغ، وتوضيح لفكرة سطحية، وتفسير لجملة ليست لها أي أهمية، وسؤال عن أصل وفصل مبتور، وكل ذلك لستر غاية رديئة، تدفعها نزوة خبيثة من الكثير (ولا نعمم) ممن يمتطون ظهر تلك الشبكات.

الشبكات: اسم واضح بليغ أي: المصائد جمع مصيدة. فكما أن الصياد ينصب شباكه يترصد الفريسة،كذلك من تداول تلك الشبكات (وسائل التواصل الاجتماعي) هو فريسة سهلة بين مخالب صياد لا نعلم حاله أو هدفه أو حقيقته.

فالرجل أمام أهله أبكم أصم أعمى كما يقول أهل الشام: (القط يأكل عشاه) لا يفتح فمه في البيت إلا وراء فرشاة الأسنان، فلا يجاملهم، ولا ينطق كلمة شكر جميلة لجبر خاطر أهله، يتخشب أمام الشاشة السحرية وكأنه يجلس على كرسي الاعتراف، فتراه في نشوة عارمة غارقاً في بحر من المجاملات الكاذبة مع من يحادثه، والمشكلة والطامة الكبرى أن كليهما يكذب الآخر.

يبتسم فجأة، ويتبعها بقهقهة، ثم يحزن بعدها، يكثر الشرود، ملامح وجهه تتقلب إلى صفات عدة في الدقيقة الواحدة، كأنه يعاني انفصام شخصية أو مرضاً نفسياً مزمناً، وكل ذلك وعيناه مبحلقتين في شاشة الهاتف، عافانا الله وجميع المبتلين.

أما الجنس الأخر والعياذ بالله... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فو الله لأخجل وأرتبك فترتعد فرائصي، وأكاد يغشى عليّ من ذكر أو كتابة ما تفعله تلك النسوة (البنات والمتزوجات والمطلقات والأرامل) في تلك الوسائل الشيطانية الخبيثة، بل ويلتبس عليّ الأمر مراراً أيهما الموسوس الحقيقي؟!

أهو الشيطان للمرأة؟! أم تلك المرأة الموسوس المحترف لجميع الأبالسة؟!

وهل أضحى إبليس الآن عالماً عصرياً إلكترونياً بوسائل التواصل الحديثة ليرشد النساء إلى تلك البؤر والمستنقعات؟!

وحسبنا الله ونعم الوكيل...

دستورنا ديننا الحنيف:
إن الدين القويم في قلب كل إنسان هو الضابط الرئيس لتصرفات الأفراد، بعون من العقل الرشيد، وتأييد الأخلاق الكريمة، وتشجيع البيئة الملتزمة، ويقظة الضمير الحي، ودعم القدوة الحسنة. فإن غاب هؤلاء جميعاً فقد فشت الرذيلة واستفحلت، وإن فُقِد بعضها كبرت الفجوات، وزاد الخلل، وأصبحت مداخل الشياطين مُشرعة، فاتسع الخرق على الراقع.

الحرب الخبيثة على الإسلام:
إن أمة الإسلام اليوم وقد تجمهرت عليها ذئاب الكون وضباعها، وضُيّق عليها الخناق، بكل الوسائل والسبل، بداية من الحروب المستعرة في بلاد المسلمين، وصولاً إلى حروب باردة أشد فتكاً وخبثاً ومكراً من الأولى، ألا وهي حرب داخلية من الصميم فعدونا من أبنائنا، بعد أن يُغسَل دماغه ويحشى (وذلك عبر وسائل الاتصال الحديثة) بالأفكار الغربية الهدّامة، والتشكيك بالدين، بحجة الحرية التي يُحيكها بجزئياتها أعدائنا، فيزرعون في أدمغة أبنائنا فكرة الحرية. وأي حرية يريدونها؟! وما تعريفها عندهم؟!

الحرية بمنظورهم: التحرر من الدين، والتحرر من الأخلاق، والتحرر من الفضيلة، والتحرر من العقل، وبالمقابل يُدخلونهم في بَهو حريتهم المزعومة في سجن مظلم واسع، عبيداً للشيطان الذي يقود شهواتهم وأهوائهم.

حث الإسلام على طلب العلم واكتشاف ما هو مفيد للبشرية:
إن شرعنا الحنيف أمرنا وحثنا على مواصلة طلب العلم، والبحث الدائم عن العلوم المفيدة التي تساعدنا في شتى أمور حياتنا، وذلك عن طريق الدراسات والأبحاث بهدف الاكتشاف والابتكار، قال الله تعالى في سورة الزمر: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب)، ولم يحجر علينا استعمال العقل في هذه الأمور طالما أنها تخدم البشرية وتقدم ما هو أفضل وأجود، وأمرنا أنا نضع كل شيء محدث بميزان الشرع ثم العقل، فإن ظهر لنا في ذلك الاكتشاف ما نراه يعارض ديننا وأخلاقنا وحياتنا المعيشية أمرنا بسلك طريقه السليم إن وجد، فإن اشتبه علينا الأمر فتركه أولى، فإن تحقق الضرر بملازمته وجب الابتعاد عنه.  

وسائل التواصل الاجتماعي:

لقد بات زماننا عالم غريب عجيب، فمن جهة ترى كل شيء فيه يتحرك بسرعة البرق، ومن جهة أخرى نجد روتينات وتكاليف جديدة فُرضت علينا، تُعقّد حياتنا البسيطة، وتُحمّلنا ما لا نطيق، وتلزمنا بأشياء لا يُعيق سيرَ الحياةِ فَقدُهُا.

وهذه الوسائل عالم أوهام، أسماء مصطنعة، صور افتراضية، مقالات رقمية، ادعاءات كاذبة، حوارات عقيمة، أشخاص مُغلّفون، هويات مستعارة أو مُقنَّعة، وأي خير يأتي من جهالة وخفاء ووهم؟!

ومن خلال البحث في هذه الوسائل التواصلية الحديثة نجد ما يلي:

أولاً إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي:

تداول الأخبار الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء وصلة الأقارب والأباعد.

باب لحرية الرأي إن كانت منضبطة.

تناقح وتلاقح الأفكار المختلفة.

باب للدعوة إلى الله ونشر الفضائل والأخلاق والفوائد.

مستودع للأحداث التاريخية المهمة.

نافذة للتعرف على الثقافات والحضارات المختلفة.

مجتمع للتسويق والإعلانات التجارية.

مجالات للتعليم والتربية والإغاثة.

مجتمع للنقد السياسي البنّاء.

صحافة للشعوب للتعبير عن آرائهم، ونشر الأخبار العاجلة.

سرعة التواصل رغم بعد المسافات، عبر الصوت أو الكتابة أو البث الحي أو تسجيل الصوت والصورة معاً.


ثانياً سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي:

أ‌- انتهاك الحقوق والحرمات (كالمقالات والصور والأعراض والخصوصيات ومقاطع الفيديو..).

ب‌- عدم وجود أي خصوصية لأحد في هذا الفضاء الواسع فالكل مستباح.

ت‌- التدليس والتلبيس والخداع، فمعظم روادها مُقنّعون وخفاء شخصياتهم يعود لـ:

خوفاً من الحكام كونهم معارضين لسياسات ذلك الحاكم.

خداعاً وتلبيساً لسلب الأعراض.

انتحال شخصيات وأسماء حيلة ومكراً.  

ث‌- الافتراء والنفاق على جميع الأصعدة كالإعلانات التجارية، والنقاشات السياسية، وللترويج لفكرة خالية المضمون.

ج‌- سوق لنشر الأفكار والمبادئ والثقافات التي يؤمن بها صاحبها دون أدنى اعتبار للحدود والحقوق والأخلاق.

ح‌- مستنقع لنشر الرذائل الفاحشة المقيتة الـمُنحلّة.

خ‌- أصبحت سبباً واضحاً في تفكك الأسر (كالطلاق والانفصال والهجر والخيانات الزوجية) مما أدى لخراب البيوت وضياع الأولاد.

د‌- البعد كل البعد عن الواقع، والغوص في عالم وهمي افتراضي.

ذ‌- غياب عين الرقيب المسؤول عن هذه المواقع:

الرقيب المؤسس للموقع.

الرقابة الأُسريّة.

الوازع الديني.

الوازع الأخلاقي.

ر‌-  سبب رئيس في هدر الوقت.

ز‌- أخطر طريقة لتفكك وهدم الروابط الأُسريّة (بين الأبوين والأولاد).

س‌- انعدام الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة، وذلك بالتفرد والقوقعة والانغلاق.

ش‌- تعرض الجسم بكافة أعضائه وحواسه للكسل والمرض والضعف والتلف وخاصة الخلايا الدماغية.

ص‌- تفشي لغة عامية (كتابية) رديئة تماشياً مع اللغة العامية (المنطوقة).

ض‌- سبب في وباء الإدمان الالكتروني الخطير.

ط‌- باب واسع وخطير لتسلل اللصوص عبر قرصنة البيانات وسرقتها وما تحويه (سندات وخصوصيات وصور وحقوق) ثم يفاوضون أصحابها على ردها ببدل مالي أو معنوي يجعل حياة هؤلاء الضحايا جحيماً لا يطاق.

ظ‌- سبب في تخلف البلاد، وتأخر عجلة التنمية في المجتمع نتيجة الكسل والخمول، وانتشار الحوادث جرّاء الشرود الذهني.

ولو قمنا بتحليل كل واحدة من هذه السلبيات المذكورة، لحصلنا على مئات الأمراض الخطيرة التي باتت مستعصية الحل والعلاج في مجتمعاتنا، ولرأينا آلاف القصص الاجتماعية المبكية من مُخلّفات وضحايا هذه الوسائل.

ثالثاً الهدف من إنشاء مواقع التواصل الاجتماعي: ويحتمل أن تكون الغاية من إنشائها إحدى هذه الدوافع:

من خلال دراسات وأبحاث لنيل درجة علمية.

لأغراض تجارية تسويقية سعياً للربح فقط.

سياسية لشغل الشعوب عن الحكومات الفاسدة.

استعمارية للسيطرة على عقول الشعوب تمهيداً للسيطرة على بلادهم.

دينية تبشيرية لتوجيه الناس لاعتقاد ما.

تجسسيية استخباراتية لسرقة البيانات الخاصة ومتابعتها.

ترفيهية للتسلية والترويح عن النفس، عبر التواصل مع الآخرين.

لعلها بدأت بسيطة ثم نمت فأصبحت وسيلة يستغلها كل فكر للغرض الذي يريد نشره.

وسيلة سِلميّة لغرض نبيل في تواصل الناس ونشر أخبارهم وصلة أرحامهم مهما بعدت المسافات (أستبعدها).

نتيجة طبيعية لتدرج وتطور وسائل الاتصال من طور إلى آخر، كما علمنا كيف تطور ساعي البريد من المراسل والحمام الزاجل والدخان والطبول إلى إشارات مورس والهاتف البدائي السلكي..وهكذا.

رابعاً نتيجة :

الذي يتضح لنا من خلال ما ذكرنا من سلبيات وإيجابيات ودوافع:

إن أقل مشكلة تواجهنا من مواقع التواصل الاجتماعي (إضاعة الوقت) تعد أكبر من أفضل إيجابية لها.

درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وسلبيات التواصل أكثر وأدهى من إيجابياتها فالأولى تركها.

أي دافع من الدوافع المذكورة هو سلاح موجه لصدور أبناء المسلمين.

وجود البديل عن هذه المواقع يغني عنها برمتها كالهاتف المحمول الخالي من الشبكة العالمية.

استدبار هذه الوسائل تفويت وإفساد لخطط ومحاولات أعداء الإنسانية في اختراق الصفوف.

في متابعة أسباب الانحرافات الأخلاقية نجد أن لهذه الوسائل دوراً كبيراً في هذا الفساد.

لقد كان لهذه الوسائل دور فعال في خراب البيوت العامرة، وفساد النساء بشكل كبير، وتفكك الأسر، وحلِّ الروابط الوشيجة، فالابتعاد عن تلك الوسائل أضحى من الواجبات.

هناك عينات كثيرة من مجتمعنا رفضوا تداول وسائل التواصل الحديثة، فا زالوا يستعملون تلك الهواتف الجوالة البدائية، ومع ذلك فحياتهم مستمرة لم تتوقف ولم تتعثر بل سرورهم أكثر بكثير ممن يَلِجها.

من المضحك أن كثيراً من العائلات وخاصة النساء، قبل الحروب والثورات كان تواصلهن مع ذويهن عادي جداً وبسيط بل قليل، رغم أنهن في حي واحد، وبعد تفجر الثورات الشعبية المباركة وتفرق وتشتت العباد، وانتشار الهواتف الذكية ترى المرأة تكلم أختها أربعاً وعشرين (24) ساعة من بلد لآخر بحجة صلة الرحم، ولو اطلعنا على رسائلهن لوجدناها كلاماً لا يسمن ولا يغني من جوع فمعظمه وجوه ضاحكة ومتفاجئة وباكية وورود وقبلات...

في تتبع هذه الوسائل الحديثة نرى أنها وسائل مُلهية عن أمور جليلة وعظيمة، بداية كتاب الله عز وجل، وصولاً إلى طلب العلم والدراسة، إضافة إلى العزوف عن اقتناء الكتب والمطالعة والبحث.

لقد أضحت هذه الوسائل ساحة للانتقام، فقد جعل الخصومُ الفضاءَ الافتراضي ميدان عراك، فكل منهم يدلو بدلوه من الاتهامات والدعاوى بل ويصحبها بالزور والباطل والتلفيق عدا الشتائم والفضائح والتشهير والفبركة.

لقد صَدّرت لنا هذه الوسائل أصناماً عدة، منها صنم التقليد الأعمى الذي أغشى على أبصار شبابنا وبصائرهم، ومنها القدوة السيئة فأبنائنا اليوم يقتدون بفنانين ولاعبين ومصارعين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود.

هذه الوسائل مصائد للتجسس علينا في حياتنا اليومية بل وفي أخصّ أمكنتنا، فكيف نستطيع العيش في هذا الوسط المراقب ونحن بغنى عنه؟!

بانتشار هذه الوسائل أخذ الناس يستبدلونها بالصلات والقربات التي هي جزء من ديننا، فكثير منهم يقطعون الرحم حقيقة ولكنهم يرسلون وردة كل صباح مع فنجان قهوة، عبر وسيلة من وسائل الاتصال.

وهكذا وإننا لو تفرغنا لتدوين سيئات تلك الوسائل الخبيثة المنشأ والمقصد، لما وسعنا المقام ولعجزت المجلدات عن حملها، ولطال البأس واليأس  في سردها، تلك الوسائل الرامية لتفريق الجماعات، وخراب الدور، وفساد الأخلاق، وتغير الدين، وتزييف الحقائق، ونشر الرذيلة والانحلال، وتأخر المجتمعات وتخلفها، وحمل الناس على الاقتتال والتباغض، وهدم عفة الفضيلة، بل وانتشار الأمراض، وفجور النساء، وشتات الأطفال وفسادهم، وقتل كل معالم الخير والمعروف في أي مجتمع كان.

فالخلاصة: ترك وساوس الاتصال الاجتماعي والابتعاد عنها والحذر من الخوض فيها وتحذير الناس منها.

أيها الإخوة: نظرتي هذه ليست تشاؤمية سوداوية (كما يتصور البعض ممن يدافع بحرقة عن تلك المواقع) بقدر ما هي واقعية محضة، سردتها مما علمت ورأيت وعايشت، لا مما قرأت وطالعت، فقد سمعت قصصاً تأبى الجوارح على سماعها أو روايتها، وأبطال وبطلات هذه القصص إخوة وأخوات لنا أصحاب إيمان وعفة ووقار، أخرجتهم تلك الوسائل الوحشية عن عفافهم وطهرهم، بمعول الصحبة السيئة، فالصديق في الماضي كان يقدم الشاي والقهوة والحلوى لضيفه، أما الآن فالصديقة تقدم لصديقتها ضيافة (إنشاء إيميل وموقعاً إلكترونياً) تعبيراً عن حبها وودها لصاحبتها ومن هنا تبدأ قصة التدحرج نحو الحضيض.

وأخيراً.. الهدف من هذه المقالة المتواضعة:

إظهار هذه الوسائل على حقيقتها والتحذير منها.

توعية أبنائنا وبناتنا منها.

إرشادهم لما هو خير.

التحذير من الصاحب السيئ.

إرشاد المخطئ لطرق النجاة.

أيها الإخوة والأخوات: نحن في حرب ضروس، وأعداؤنا يكيدون لنا كيداً بشتى الوسائل والطرق، وهم يجتهدون فلا تنام لهم عين ولا يرف لهم جفن للإيقاع بنا (وهم على باطل)، فكيف نخن نغفل وننام والحق معنا؟! علينا الحذر كل الحذر من الوقوع أسرى في هذه الوسائل الخبيثة، أذلاء بيد أصحابها، جبناء أمام مغرياتهم، سفهاء أمام ملذاتها الآنية.

أيها الإخوة: أعراض المؤمنين ليست ألعوبة بأيدنا فكما أن للناس أعراض فلنا أعراض أيضاً وكما أننا نكره أن يُفعل السوء لنا، غيرنا يكره ذلك، فكما تدين تدان وابحثوا عن قصة (دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا) واقرؤها ففيها العبرة والموعظة.

أيها الإخوة: لا تؤجلوا ترك المنكرات إلى الغد فلعلكم لا تصلوا لغدكم، ولا تأملوا بوساوس الشيطان وهو يدلي عليكم نصائحه وأحكامه الكاذبة الخداعة فلا تكونوا نعاجاً حتى لا يكون الشيطان ذئباً، فالحلال بينّ والحرام بيّن ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس.  

أختي الفاضلة الكريمة: دعي سُبل الهلاك ووسائل جهنم الـمُغرية، فلا تخدعك بهرجتها وزينتها، وانتبهي لدينكِ وعفتكِ، فلا ينفعك شيء بعد وقوع المحظور، وحصني نفسك باتباع كتاب ربنا العزيز وأوامره، وتمسكي بسنة نبينا r وتزودي بعفة أخلاقه الطيبة وزوجاته الكريمات، واحذري الانزلاق في هاوية الشيطان المهلكة فإن خرجتِ عن السكة عودي الآن قبل أن تكبر الفجوة ويشتد عزم عدوكِ عليكِ.

واهتمي بزوجك إن كنت متزوجة، فلو أمر الله أحداً أن يسجد لأحد غيره لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها، واعتني بأولادك وبأخلاقهم وبدينهم فهم طريقك للجنة إن صلحوا، فإن عزمتِ ترك الخوض في تلك الوسائل فلا تأجلي بل بادري من الآن فلكِ الثواب بترك سبل المعاصي إرضاء لله، ولا تتركي التوبة ولا تيأسي من روح الله فالله غفار للذنوب مهما كثرت وعظمت، ولا تُسوّفي فالموت أقرب إليك من السواد للبياض، واستغفري الله تعالى وداومي على ذلك وغادري مواطن السوء، وأغلقي مواقع الفساد والتفاصل، وعاهدي الله بعدم الرجوع للمعصية. فو الله الذي لا إله غيره سترين حياتك تنقلب خيراً وتتبدل حسناً فيرتاح قلبك، وينشرح صدرك، فمن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضى الناس سخط الله عليه وسخط عليه الناس.

أيها الإخوة: أرجو ربنا عز وجل هو أن يوفقنا في بناء مسلم سليم من الحماقة والغباء، صحيح الإيمان والبنية والعقل، مُحصّن بالأخلاق والفضائل، ذوقه رفيع في تسوّق ما هو جيد ومفيد، بعيد عن الخفاء والأوهام والتدليس والخداع، واضح القصد والهدف، يحترف سُلّم المجد، غايته إرضاء المولى عز وجل، رجاؤه من الله الفردوس الأعلى والنظر إلى وجهه الكريم، بين عينيه تقوى الله، قدوته رسول الله r، دستوره القرآن الكريم وأحكامه، عدوه الشيطان الرجيم والنفس الأمارة بالسوء والهوى المتبع وأعوانهم، أقرانه كل ناصح صالح يدله لطريق الخير الظاهر الناصع البيّن، جعلنا الله منهم أجمعين والحمد لله رب العالمين.  

 

الكاتب: فراس رياض السقال