مع القرآن - لوط و اعوجاج سلوك قومه

منذ 2017-09-16

{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [ النمل 54]

لم تكن دعوة لوط عليه السلام لقومه مقتصرة على التوحيد فحسب و إنما أيضاً على تقويم و إصلاح اعوجاج سلوكهم و انعكاس  فطرتهم و انطماس بصيرتهم و غلوهم في اتباع الشهوات التي كانت تتجه للرجال دون النساء .

فلما دعاهم و بين لهم ما هم فيه من ضلال ما كان منهم إلا أن أجمعوا على طرد لوط و من تبعه لتخلوا لهم الديار من كل متطهر صاحب فطرة سليمة !!!!!

أمهلهم الله فأصروا و أعطاهم الفرصة تلو الأخرى فلم يرجعوا فحل عليهم العقاب و كالعادة من سنن الله كانت النجاة من نصيب لوط و المتقين معه .

قال السعدي في تفسير  سورة النمل :

{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [ النمل 54]

أي: واذكر عبدنا ورسولنا لوطا ونبأه الفاضل حين قال لقومه -داعيا إلى الله وناصحا-: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} أي: الفعلة الشنعاء التي تستفحشها العقول والفطر وتستقبحها الشرائع{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}  ذلك وتعلمون قبحه فعاندتم وارتكبتم ذلك ظلما منكم وجرأة على الله.

ثم فسر تلك الفاحشة فقال: { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ}أي: كيف توصلتم إلى هذه الحال، صارت شهوتكم للرجال، وأدبارهم محل الغائط والنجو والخبث، وتركتم ما خلق الله لكم من النساء من المحال الطيبة التي جبلت النفوس إلى الميل إليها وأنتم انقلب عليكم الأمر فاستحسنتم القبيح واستقبحتم الحسن {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}  متجاوزون لحدود الله متجرئون على محارمه.

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ}  قبول ولا انزجار ولا تذكر وادكار، إنما كان جوابهم المعارضة والمناقضة والتوعد لنبيهم الناصح ورسولهم الأمين بالإجلاء عن وطنه والتشريد عن بلده. فما كان جواب قومه {إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ

فكأنه قيل: ما نقمتم منهم وما ذنبهم الذي أوجب لهم الإخراج، فقالوا: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي: يتنزهون عن اللواط وأدبار الذكور. فقبحهم الله جعلوا أفضل الحسنات بمنزلة أقبح السيئات، ولم يكتفوا بمعصيتهم لنبيهم فيما وعظهم به حتى وصلوا إلى إخراجه، والبلاء موكل بالمنطق فهم قالوا: {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ

ومفهوم هذا الكلام: " وأنتم متلوثون بالخبث والقذارة المقتضي لنزول العقوبة بقريتكم ونجاة من خرج منها "

ولهذا قال تعالى:  { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ}  وذلك لما جاءته الملائكة في صورة أضياف وسمع بهم قومه فجاءوا إليه يريدونهم بالشر وأغلق الباب دونهم واشتد الأمر عليه، ثم أخبرته الملائكة عن جلية الحال وأنهم جاءوا لاستنقاذه وإخراجه من بين أظهرهم وأنهم يريدون إهلاكهم وأن موعدهم الصبح، وأمروه أن يسري بأهله ليلا إلا امرأته فإنه سيصيبها ما أصابهم فخرج بأهله ليلا فنجوا وصبحهم العذاب، فقلب الله عليهم ديارهم وجعل أعلاها أسفلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك.

ولهذا قال هنا: { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}  أي: بئس المطر مطرهم وبئس العذاب عذابهم لأنهم أنذروا وخوفوا فلم ينزجروا ولم يرتدعوا فأحل الله بهم عقابه الشديد.

 

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
صالح أم رهط الفساد؟
المقال التالي
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ!!!