مع القرآن - كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً

منذ 2017-10-27

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ

في أوقات الشدة يلجأ المؤمن لربه سبحانه يلتمس العون و الفرج و كلما كان إيمان العبد بربه أقوى كلما كان اطمئنان القلب أكبر و تحقق المراد أقرب .

على عكس من لجأ إلى غير الله و التمس العون من غيره و لجأ في الشدائد لميت أو حجر أو التمس النفع في منهج أرضي من اختراع بشر و ترك منهج السماء الذي حوى كل أسباب السعادة و أبعد عن المؤمن كل أسباب الشقاء .

مثل هذا الأخير كمثل عنكبوت احتمى في خيوط واهية يدعيها بيتاً و ما هي ببيت , فلا حماية من شدة و لا نفع ينتظر , بل هي من أكبر أسباب الضر و الخسران لوهنها و عدم نفعها .

{ {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} } [العنكبوت 41 – 43]

قال السعدي في تفسيره :

هذا مثل ضربه اللّه لمن عبد معه غيره، يقصد به التعزز والتَّقَوِّي والنفع، وأن الأمر بخلاف مقصوده، فإن مثله كمثل العنكبوت، اتخذت بيتا يقيها من الحر والبرد والآفات، { {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ} } أضعفها وأوهاها { { لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ } } فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة، وبيتها من أضعف البيوت، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا، كذلك هؤلاء الذين يتخذون من دونه أولياء، فقراء عاجزون من جميع الوجوه، وحين اتخذوا الأولياء من دونه يتعززون بهم ويستنصرونهم، ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم، ووهنا إلى وهنهم.

فإنهم اتكلوا عليهم في كثير من مصالحهم، وألقوها عليهم، وتخلوا هم عنها، على أن أولئك سيقومون بها، فخذلوهم، فلم يحصلوا منهم على طائل، ولا أنالوهم من معونتهم أقل نائل.

فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم، حالهم وحال من اتخذوهم، لم يتخذوهم، ولتبرأوا منهم، ولتولوا الرب القادر الرحيم، الذي إذا تولاه عبده وتوكل عليه، كفاه مئونة دينه ودنياه، وازداد قوة إلى قوته، في قلبه وفي بدنه وحاله وأعماله.

ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين، ارتقى من هذا إلى ما هو أبلغ منه، وأنها ليست بشيء، بل هي مجرد أسماء سموها، وظنون اعتقدوها، وعند التحقيق، يتبين للعاقل بطلانها وعدمها، ولهذا قال: { { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } } أي: إنه تعالى يعلم -وهو عالم الغيب والشهادة- أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئا موجودا، ولا إلها له حقيقة، كقوله تعالى: { { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } } وقوله: { {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وإن هم إلا يخرصون } }

{ {وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم} } الذي له القوة جميعا، التي قهر بها جميع المخلوقات، { { الْحَكِيمُ} } الذي يضع الأشياء مواضعها، الذي أحسن كل شيء خلقه، وأتقن ما أمره.

{ {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} } أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم، لكونها من الطرق الموضحة للعلوم، ولأنها تقرب الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة، فيتضح المعنى المطلوب بسببها، فهي مصلحة لعموم الناس.

{و}  لكن {مَا يَعْقِلُهَا}  بفهمها وتدبرها، وتطبيقها على ما ضربت له، وعقلها في القلب {إِلَّا الْعَالِمُونَ}  أي: أهل العلم الحقيقي، الذين وصل العلم إلى قلوبهم.

#أبو_الهيثم

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ
المقال التالي
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ