منهم الصالحون ومنهم دون ذلك
الذي يرفع عن الأمم العقوبات العامة من التشريد والمجاعات والضعف والهوان والاستباحة من العدو، هو الصلاح العام الذي يقوم به المجتمع في شكل جماعي واتجاهات إصلاحية وتغيير سياسات واتجاهات وقوانين، وإصلاح الأنظمة والنظام العام عقيدة وقيما وتوجيها وتربية.
منهم الصالحون ومنهم دون ذلك.. ودلالة سياسية...
عندما تقرأ قوله تعالى عن بني اسرائيل بعد النص على عقوبتهم بالتشريد في الأرض أمما، بعد معاصٍ عامة استوجبت عقوبة عامة.. قال تعالى {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ}.
فاعلم أن العقوبة العامة للأمة (لا تمتنع) بوجود صالحين فرادى، وإنما (تمتنع) بإصلاح عام في شكل جماعي وقيمي ونظام عام..
واعلم كذلك أن العقوبة العامة (لا تمنع) من وجود صالحين إذا كانوا منكرين للإنحراف العام..
فإذا قاموا بما يستطيعون وعجزوا عن التغيير فلا عقوبة عليهم في الآخرة، وإن فرطوا في التذكير والنهي عن الفساد في الأرض فقد يعاقبون على هذا..
إن الصلاح الفردي لا يغير أمما.. إلا ما شاء الله...
وإن الصلاح الفردي لا يمنع عقوبة أمم..
وكذلك المعاصي الخاصة ليست هي محل عقوبة الأمم؛ ولكن الذي يُنزل بالأمم العقوبة العامة ويعرضها للتشريد والفناء هو الانحراف العام الذي يتعارف عليه المجتمع! ويقره بلا إنكار وتنشأ عليه الأجيال وتقوم به الأنظمة ويُسلّم الناس أبناءهم لمعلمي الانحراف لكي يتعلموه..! في مناهج التعليم وفي وسائل الإعلام وفي مسابقات الرقص وتنافس الغناء، وفي التنافس في إظهار العوارات..!
والذي يرفع عن الأمم العقوبات العامة من التشريد والمجاعات والضعف والهوان والاستباحة من العدو، هو الصلاح العام الذي يقوم به المجتمع في شكل جماعي واتجاهات إصلاحية وتغيير سياسات واتجاهات وقوانين، وإصلاح الأنظمة والنظام العام عقيدة وقيما وتوجيها وتربية..
ولهذا قال تعالى عقبها {وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فما زال هناك أمل، وما زال هناك فيهم رجاء، وما زالت الأقدار تخاطب الناس بالبلاء والنعم، والإحباطات والنِقم.. لعلهم يرجعون..
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: