المنهج القويم للتغيير الصحيح (3)

منذ 2017-12-12

هناك مقولة حكيمة يؤثر من بعض علماء المعاصرين وهي " نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعض الآخر فيما اختلفنا " ينسب بعضهم إلى حسن البنا ولعل الراجح أنها مقولة لمحب الدين الخطيب.

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله: 

مما يؤكد رابطة الأخوة بين المسلمين ترك الاختلاف والتفرق إذ الاختلاف شر والسلامة منه خير ورحمة وبركة.


ويقتضي ذلك أن يتقي المسلمون ربهم حق تقاته وأن يجاهدوا في الله حق جهاده كما قال سبحانه:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102 ].


ثم – كما ترى قد قرن الله الأعمال التي يجب أن يأتي به المتقي ربه حق تقاته والتي أولا ن يعتصم المؤمنون بحبل الله المتين جميعاً بمعني ذلك أن توحيد الصف وتوحيد كلمتهم مرتبط بتمسكهم جميعا بحبل الله أي كتاب الله وسنته لكن إن ترك بعضهم العمل بكتاب الله بالكامل وسنة نبي الله بالكامل فكيف تكون وحدة الكلمة ووحدة الصف؟ وهم خلاف ما نادى به الله في كتابه العزيز وأوصاه


لا سيما والله سبحانه يذكر النعمة العملية التي تمتعت به الأنصار في مدة إسلامهم من نبذ الخلافات والفرقة والحروب الطاحنة والتآخي كلهم في الله متحابين متودين.

وطبعا ذلك كان بعد تمسكهم جميعا بحبل الله وهو كتاب الله العظيم؛ ثم الله سبحانه ينادي ويوصي للمؤمنين أن يكون منهم أمة يدعون إلى الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وهذا كله من تحقيق تقوى الله حق تقاته والتآزر والتعاون بالبر والتقوى والتكاتف بالحسنى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله... 


أما إذا تشاغل كل أحد بأموره وحظوظه الدنيوة الخاصة به وآثر بحطام الدنيا من الباقية فهذا إذاً عين ترك تحقيق تقوى الله حق تقاته و عين ترك الاعتصام بحبل الله جميعا كما أمر الله سبحانه وجل جلاله


وهناك مقولة حكيمة يؤثر من بعض علماء المعاصرين وهي " نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعض الآخر فيما اختلفنا " ينسب بعضهم إلى حسن البنا ولعل الراجح أنها مقولة لمحب الدين الخطيب.


واضاف بعضهم مع التناصح وأضاف بعضهم مع التصحيح وأضيف بدون مجاملة على حساب الدين وبشرط أن لا يكون المخالف مخالفا لأصول الدين وثوابته وغير معاند للحق الصريح.


وتعجبت من عالمٍ من بعض علماء المعاصرين استدل لترك الخلاف وصيانة اجتماع الناس ولو على باطل آية من القرآن الكريم وهو قوله تعالى {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: 94 ].


وهذا استدلال بالقرآن الكريم كما نرى لكن هذا المستدل حاول أن يستدل به على اعتقاده الباطل وهو اعتقاد الوطنية التي جعلوا لها شعائر: الوطن للجميع والدين لله، ويعنون بذلك أن يكون النصارى والشيعي والمسلم والملحد العلماني وغيره إخوة متاحبين مولاتهم ومعاداتهم مبنية في الوطن فحسب ، أما الدين فهو لله ويعنون بذلك أن لا يتدخل الدين في شؤون المواطنة ولا في شؤون سياسة البلد ولا في السياسة الدولية...إلخ.


وقد قال أحد الملحدين:

هنيئا بكفر يوحد بيننا             وأهلا وسهلا بعدها بحهنم!!! 

والعياذ بالله.


فصيانة التفرُّق من مجتمع بني إسرئيل الذي صار بين وثنيين عباد العجل وعباد إله الحق في ظرفٍ احتهد به من ليس له القرار الـأخير وهو هارون عليه السلام لا يعني أن ذلك قاعدة مطردة يستدل بها في كل الوقائع.ولا يعني ذلك كأنها شرع من شرع الله مأمور به.


فهارون عليه السلام اعتذر أنه اتخذ هذا الرأي بعدة اعتذارات وكان ذلك بعد قيامه بالدعوة إلى الله للمخطئين وبعد إنكاره هذا الخطأ الفادح كالتالي:


أولاها: أن هارون عليه السلام أنكر عليهم هذه الفعلة الشنيعة بقوله {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} [طه: 90 ].


ثانيها: أنهم عاندوه وعصوه وإذا عصت بعض الرعية فعلى الراعي الحكيم أن يتخذ مواقف حكيمة في مثل هذه الفتنة كالتي اتخذها هارون عليه السلام كالصبر مثلاً والكف والتريث جتى يقضي الله أمره كأن يترقب مثلا قوة أعظم من قوته في مثل هذا الظرف.

 
ثالثها: إن القوم استضعفوه وكادوا أن يقتلوه فكيف يستمر في دعوة حالها كهذه.


رابعها: إن هارون كان يتذكر ويخاف من وصاية أخيه موسى عليه السلام الذي قال له فيها {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف:142 ].


فخاف إن تفرق بسببه بنوا إسرائيل أن لا يكون من المصلحين ويقول له أخوه فرَّقت بين بني إِسرائِيلَ وَلم يرقب قوله خصوصاً والأمر في مصير أمة ويحتاج لى مشورة أخيه وهم يقولون له: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى.

والله هو المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


أبو عبدالله عبد الفتاح بن آدم المقدشي