الطريق للقدس عودة أو ضياعا..
طريق القدس واضح؛ إذ يبدأ من الشعوب.. كما أن ضياعه واضح إذ يبدأ أيضا بالشعوب..
في 30 يونيه 2013، وفي 3 يوليو بعدها، كان الطريق إذ ذاك واضحا تماما، ليس فيه لنا مفاجأة.. كان هذا هو طريق العودة الى دولة الاستبداد والظلم والقهر، وعودة الفساد أشرس مما كان، وإعلان انتصار الفاسدين والمستبدين والظالمين..
وكان الأمر أيضا واضحا أن القطاعات الشعبية التي تحللت خلاياها بفعل الفسق الشديد، ليس عندها مشكلة في أن تقفز (القفزة) بأن تعادي صريح الدين وتبطل ثوابته، وتقطع طريق الثورة وترفض التغيير الجذري والعميق والحاسم؛ إما استمراء للمظالم أو حبا للفسق أو لمصلحة فيه أو خوفا من التغيير، أو كرها في الإسلام وشريعته زندقة ونفاقا، أو نزقا وطيشا، أو استجابة لاستخفاف العقول وتحكم القرود ونصح الشياطين وغطرسة الأقزام..
كان الأمر أيضا واضحا؛ بعودة شرسة للإلحاد والعلمانية، ورسوخ الإباحية والإيذان بتفسخ المجتمع وقيمه وأخلاقه، وانتصار الطائفية وطرحها..
وتبعية 30 يوينه و 3 يوليو لأمريكا وإسرائيل كان وضوحه كالشمس..
العجيب أن يلح على الطريق قطاع من المتدينين، وقطاع من السلفيين ـ وليس الجميع بالطبع ففيهم كرام وصادقون ـ ألحوا على هذا وهم يرون بأعينهم أين يسير الطريق.. أو يكون قد حق فيهم قوله تعالى {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}.
وعلى المستوى الإقليمي كان الطرق واضحا تماما أن هذا عودة لإسرائيل ونجاح كبير لها أن عالجت موضوع الثورات العربية ومحاولة الشعوب استرداد بلادها وامتلاك مقدراتها وتقرير مصيرها وفرض هويتها ومقتضيات عقيدتها والتعبير الصادق والترجمة الحقيقية عن الأمة وتاريخها وعقديتها وهويتها في شتى المجالات..
كان هذا نجاحا لإسرائيل أن استردت قيادة المنطقة. والنجاح الباهر ليس في هذا؛ بل النجاح الباهر أنها أدارت حركة الشعوب فخرجت الجماهير ـ تدري أو لا تدري ـ لصالح إسرائيل..! (لا تلتفت كثيرا الى الحجاب والنقاب واللحى وزبيبة الصلاة بين الجموع فالفراغ تحت هذا كبير ويسمح بهذا الموقف).
كنا نعلم أن هذا الطريق ثمنه ونهايته هو تسليم القدس والدخول في حقبة أكثر ظلاما..
بينما في ثورة يناير كان نجاحها كفيلا بامتلاك الناس لبلادهم ومقدراتهم وتقرير عقيدتهم ومقتضياتها، وهويتهم واحترامها.. وتقوية البلاد ومحاولة الخروج من التبعية وتقزيم إسرائيل تلقائيا واعتدال الأمر وتصحيح الموازين واعتدال التاريخ..
كانت بداية لتحرير القدس والخروج من التبعية وفرض الحرية وإعلاء لكرامة الإنسان والدخول الى عصر الدولة المتحضرة والمحترمة، وتقرير وترسيخ تدفق التعبير الصادق عن الرأي ووضع الخبراء والعلماء وقادة الرأي الحقيقيين في أماكنهم، وحراك قوى المجتمع للتفاعل بطريقة صحية ومحترمة وحضارية ليخرج في النهاية شكل الدولة المعبر بصورة صادقة عن حقيقة المجتمع.. كما يفتح الطريق أمام الدعوة والإقناع والنقاش وكشف الشبهات الدينية والسياسية والمجتمعية حول القضايا الكبيرة للبلاد..
كان الطريق الى القدس يبدأ من 2011 من يناير في مصر، وقبلها في تونس، وفبراير في ليبيا، وبعدها في سوريا.. كان الطريق يعرفه المخلصون والعقلاء، ويعرفه العدو أيضا.. لكن العدو نجح فالتف حول الطريق.
وفشل أصحاب الطريق في إكماله فخان من خان ونكص من نكص وعاد القهقرى، وفشل في الحفاظ على الطريق من كان تصوره ناقصا ومضطربا إما عقديا أو سياسيا أو هما معا..
إعلان تسليم القدس كان يوم 3 يوليو 2013 وليس ديسمير 2017 وكان الصوت واضحا، لكنهم لا يسمعون، ويملؤون الفضاء بكلام تافه سرعان ما يسقط..
بقية الطريق أيضا نعلمه، وليس الآن محل طرحه، لكن نرجو أن يقطع الله الطريق بعصبة مؤمنة أو أمر من عنده..
طريق القدس واضح؛ إذ يبدأ من الشعوب.. كما أن ضياعه واضح إذ يبدأ أيضا بالشعوب..
هنا القرار، وهذا الطريق؛ فمن علم الطريق فليسلكه إذن..
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي