مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - و ما أرسلناك إلا كافة للناس

منذ 2018-02-12

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ }   [سبأ 28 - 30]

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} :

مهمة واضحة جلية تتلخص في بيان الحق لكل البشرية و إعلامهم بمراد الله منهم و الذي يتلخص في إفراده بالعبادة الباطنة و الظاهرة و إجابة أوامره و الانتهاء عن نواهيه, فمن أجاب فله البشرى و لم لم يجب فله النذارة و الوعيد المنتظر.

فما كان حجة المعاندين إلا طلبهم منه إعلامهم بوقت نزول العذاب عليهم و إخبارهم بتوقيت موعود الله!!

فبدلاً من أن يتأملوا المطلوب و يعملوا حذراً من المرهوب, ابتعدوا و أوغلوا في العناد و طلبوا منه طلباً هو أبعد ما يكون عما يفترض أن يتفكروا فيه , و كأنهم تأكدوا من وقوع العذاب عليهم و عدم  هدايتهم فاستعجلوا العذاب و طلبوا العلم بموعده بدلاً من أن يعلموا بمراد الله ليتفادوا وقوع العذاب.

فليعلموا أن الموعد محدد معلوم يعلمه الله تعالى و لن يؤخره أو يؤجله أي مخلوق.
 
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ }   [سبأ 28 - 30]

قال السعدي في تفسيره:

يخبر تعالى أنه ما أرسل رسوله صلى اللّه عليه وسلم, إلا ليبشر جميع الناس بثواب اللّه, ويخبرهم بالأعمال الموجبة لذلك، وينذرهم عقاب اللّه, ويخبرهم بالأعمال الموجبة له, فليس لك من الأمر شيء، وكل ما اقترح عليك أهل التكذيب والعناد, فليس من وظيفتك, إنما ذلك بيد اللّه تعالى، { {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} } أي: ليس لهم علم صحيح, بل إما جهال, أو معاندون لم يعملوا بعلمهم, فكأنهم لا علم لهم. ومن عدم علمهم, جعلهم عدم الإجابة لما اقترحوه على الرسول, موجبا لرد دعوته.

فمما اقترحوه, استعجالهم العذاب, الذي أنذرهم به فقال: { {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} } وهذا ظلم منهم. فأي ملازمة بين صدقه, وبين الإخبار بوقت وقوعه؟ وهل هذا إلا رد للحق, وسفه في العقل؟ أليس النذير [في أمر] في أحوال الدنيا, لو جاء قوما, يعلمون صدقه ونصحه, ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم ويُعِدُّ لهم فقال لهم: تركت عدوكم قد سار, يريد اجتياحكم واستئصالكم. فلو قال بعضهم: إن كنت صادقا, فأخبرنا بأية ساعة يصل إلينا, وأين مكانه الآن؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا, أم يحكم بسفهه وجنونه؟

هذا, والمخبر يمكن صدقه وكذبه, والعدو قد يبدو له غيرهم, وقد تنحل عزيمته، وهم قد يكون بهم منعة يدافعون بها عن أنفسهم، فكيف بمن كذب أصدق الخلق, المعصوم في خبره, الذي لا ينطق عن الهوى, بالعذاب اليقين, الذي لا مدفع له, ولا ناصر منه؟! أليس رد خبره بحجة عدم بيانه وقت وقوعه من أسفه السفه؟"

{ {قُلْ} } لهم - مخبرا بوقت وقوعه الذي لا شك فيه -: { {لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ } } فاحذروا ذلك اليوم, وأعدوا له عدته.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
و إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين
المقال التالي
ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم