فتنة إمبابة.. المشْكلة والحلّ

منذ 2011-05-15

إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أطلق بندًا دستوريًّا بِحُرْمة معاداة أهل الذِّمَّة من الأقباط وغيرهم، فقال: «من عادي ذِميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة»، والتاريخ حافل بالسلام والتعايُشِ بين أبناء الأمة من المسلمين والأقباط...



الكلُّ في مصر يعيش حالةً من القلق والحزن تجاه أحداث الفتنة الطائفية التي اندلعت في إمبابة؛ خشيةَ تأثيرِها على الثورة والتي لم يكد يَمُرّ عليها مائة يوم حتى وقعت تلك الأحداث الدامية والتي أسأت إلى مصر وشعبها الذي صنع ثورةً بهرت العالم، وكانت أخلاق الثُّوّار- مسلمين وأقباط- حاضرة في ميدان التحرير، ومثَّل هذا التلاحُم الطائفي رقمًا مُهِمًّا في نجاح الثورة.


وبدايةً فإننا لابدَّ أن نؤكِّد تجاه تلك الفتنة أنَّه لابدَّ من اتِّخاذ إجراءات رَادِعَة ضدّ كلّ من يعبث بوحدة وأمن مصر، خاصةً أن أذناب وفلول النظام البائِد تُحاوِل بشَتَّى الطرق إحداث فوضَى في البلاد وهي تَجِد في الطائفية أرضًا خصبة للوقيعة بين أبناء الوطن؛ لذلك فإنَّنا نرى أن الطائفية تُعْتَبَر من أكبر المخاطر التي تهدِّد ثورة 25 يناير.


ولذلك يجب على الجميع أن يصطفَّ كالبنيان المرصوص؛ لقطع الطريق أمام أعداء الثورة، خاصةً وأنَّ تلك الأفعال المُشِينة التي وقعت في إمبابة من قتلٍ وإحراقٍ واعتداءٍ لا يُمْكِن أن تصدر من متدينين يعلمون حقيقةَ دِينِهم، سواءٌ أكانوا مسلمين أو مسيحيين.


فالإسلام العظيم يرفض الطائفية والاعتداء على الآخرين بسبب ديانتهم، بل إنَّ القرآن ساوَى بين المساجد والكنائس والمعابد من حيث حرمة الاعتداء أو الهدم يقول تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}. بل إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أطلق بندًا دستوريًّا بِحُرْمة معاداة أهل الذِّمَّة من الأقباط وغيرهم، فقال: «من عادي ذِميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة». والتاريخ حافل بالسلام والتعايُشِ بين أبناء الأمة من المسلمين والأقباط، فليس من التديُّن في شيء ما حدث في إمبابة.


لكننا نلاحظ أنَّ معظم أحداث الفتنة الطائفية التي وقت طوال الثلاثين عامًا الماضية، تمثِّل قضيةَ تَحوُّل المسيحياتِ إلى الإسلام جُزْءًا مهمًّا منها، نتيجة اضطهاد الأزواج لَهُنَّ أو هربًا من زواج فُرِض عليهنَّ، وتكاد قصة معاناة آلاف المسيحيات مع أزواجهن تكرّر في كل حادث فتنةٍ، حيث تصل الحياة بهِنَّ إلى طريقٍ مسدودٍ، خاصةً أن الكنيسة ترفض الطلاق لغير عِلَّة الزنا. وهي قضية يجب على العقلاء في الكنيسة القبطية أن يَضَعُوا لها حَلًّا لمعاناة المسيحيات والتي تضطرهن إلى التحول إلى الإسلام هربًا من اضطهاد الأزواج بحثًا عن الطلاق، وربَّما غيَّر البعض منهن المِلَّة من أجل ذلك مثل ما تواتر عن الفنانة هالة صدقي، فالقضية سببها أزمة يعانِي منها الفِقْه الكَنَسي ولا علاقة لها بطائفية.


ثانيًا بعض الإسلاميين يتورّطون في القضية دون سببٍ سوى العاطفة فيتمّ استدراجهم للصدام مع الأقباط، وهؤلاء ينقصهم الفقه الإسلامي والوَعْي بالواقع، وعلى هؤلاء مراجعة أنفسهم؛ لأنَّهم يَضُرُّون وطنهم ودينهم بالصِّدام مع أبناء الوطن، ولابدَّ للجميع أن يَتَفَقَّهَ على حرية الاعتقاد؛ {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].


بل إن قضية التحوُّل من ديانة إلى أخرى- وإنْ وقَف ضدَّها البعض- فهي قضية حقوقية، وليست طائفيةً، يجب على عقلاء الأمة أن يَتعامَلُوا معها من هذا المنطلق؛ فمصر أمامها الكثير من التحديات بعد نجاح ثورتها المباركة من أجل بناء دولتها الجديدة، فليس معقولاً أن تتخلَّى عن قضاياها المصيرية لتتفرغ لحوادث طائفية تُزهَق فيها الأرواح من أبناء هذا الوطن، خاصة وأنَّه تبيّن للجميع أن فلول النظام السابق تسعى لإحداث الفوضى وإشعال الفتنة في البلاد.


واجِبٌ شرعي يحتمُّ على أبناء الوطن من علماء الأمة مسلمين ومسيحيين وجميع القوى الوطنية بالوقوف بحزمٍ للتصدِّي لظاهرة الفتنة الطائفية وسرعة إزالة الاحتقان الطائفي الذي لا مُبرِّر له بعد الثورة؛ حفاظًا على وحدة الوطن واستكمال مسيرة الثورة بتطهير جهاز الدولة، وتنظيم وتفعيل مشاركة جماهير الثورة، وهو أمر كفيل بمواجهة ملفات الفساد من النظام البائد، وعلى رأسها الفتنة الطائفية..


الأمر الأهمُّ هو ضرورة إعادة الاعتبار إلى القانون وهيبة الدولة، حتى لا يصبح الأمن القومي المصري في خطر، ويتحوّل حلم ووعد الثورة إلى كابوس سيَدْفَع بكثير من المصريين إلى المطالبة بعودة الأمن والاستبداد، حتى وإن كان تحت عنوان عودة مبارك أو أي مستَبِدّ جديد.. وهذا مَكْمَن الخطر الذي يجب أن يَحْذَر منه الجميع.



14-05-2011 م
 

المصدر: خالد الشريف - موقع جريدة المصريين