مصر..لماذا رفض الإسلاميون الزحف المليوني للقدس؟

منذ 2011-05-17

لم تكن ذكرى النكبة الفلسطينية هذا العام التي وافقت يوم 15 مايو 2011 كغيرها في الأعوام السابقة، فإلى جانب المظاهرات والفعاليات التي يخرج فيه الآلاف من جميع أنحاء الوطن العربي لإحياء ذكرى النكبة التي تبلغ عامها ال63...



لم تكن ذكرى النكبة الفلسطينية هذا العام التي وافقت يوم 15 مايو 2011 كغيرها في الأعوام السابقة، فإلى جانب المظاهرات والفعاليات التي يخرج فيه الآلاف من جميع أنحاء الوطن العربي لإحياء ذكرى النكبة التي تبلغ عامها ال63، كانت هناك دعوة لمسيرة زحف مليونية نحو القدس تنطلق من القاهرة تجاه الحدود مع فلسطين فيما أطلق عليه "الانتفاضة الفلسطينية الثالثة".

 
لكن هذه المسيرة انتقدتها وتحفظت عليها التيارات الإسلامية في مصر من سلفيين وإخوان مسلمين وحتى من حركة حماس الفلسطينية بينما لقت ترحيبا وتشجيعا من جانب التيارات اليسارية والليبرالية وائتلاف شباب ثورة 25 يناير.
 
فبالنسبة للدعوة السلفية فقد حذرت في بيان لها من مخاطر الزحف على الحدود المصرية مع غزة، راسمة 3 تصورات لمشاركة الشعب المصري ، تضمن التصور الأول زحف الجماهير إلى الحدود واقتحامها من جميع الجهات، معتبرة أن هذا الاحتمال يتضمن التفريط في قوله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، حيث أن الجماهير لا تقدر على إعداد أسلحة وعتاد وتنظيم يواجه قدرة "إسرائيل" العسكرية، كما أنها لا تقدر قوة العدو واحتمالات ضربة لهؤلاء الشباب وإبادتهم.
 
أما التصور الثاني فوصفه البيان بـ"الزحف على الحدود دون اقتحام لها"، غير أنه يتضمن نفس خطورة الاحتمال الأول، خاصة في ظل وجود بعض المشاركين مازالت فكرة اقتحام الحدود لديهم قائمة، وهو ما ستقوم "إسرائيل" بالرد عليه بمحاولة منع وصولهم لسيناء بضرب "كوبري السلام"، و"نفق أحمد حمدي"، الأمر الذي سيؤدي إلى أن تخسر مصر خسارة لا تستطيع تعويضها في القريب العاجل.
 
 
وتضمن التصور الثالث المشاركة في الانتفاضة بوقفة في ميادين عواصم الدول المجاورة ل"إسرائيل" كـ"ميدان التحرير"، لإحياء القضية في نفوس الأمة وإحياء روح المقاومة في المسلمين مع إرسال "قافلة مساعدات" لأهل غزة، وهو ما يصفه البيان بأكثر الاحتمالات مصلحة وأقلها مفسدة.
 
وجاء موقف جماعة الإخوان المسلمين بمصر متوافقا مع رأي السلفيين في رفض فعالية الزحف نحو القدس التي كان مقرر لها الأحد 15-5-2011، معللة ذلك بأنه ليس في مصلحة مصر حاليا ولا مصلحة إخواننا في غزة خاصة بعد المصالحة الفلسطينية وفتح المعابر، مبدين استعدادهم لتنظيم وقفات احتجاجية دعما للفلسطينيين وإرسال قوافل إغاثة لقطاع غزة.
 
وبالفعل اكتفى المتظاهرون يوم الأحد بالقيام بوقفة احتجاجية أمام السفارة "الإسرائيلية" في القاهرة خاصة بعد الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضها الجيش لمنع هذه المسيرة وقبلها مطالبة وزارة الداخلية جميع الأطراف بالنظر بموضوعية إلى الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد حيث أهابت بالقوى الوطنية الداعية للمسيرات بإيقافها تغليبا للمصلحة العليا للوطن ودرءا لأي تداعيات أو مخاطر محتملة قد تنتج عن ذلك التحرك. وكان مئات الآلاف قد خرجوا الجمعة إلى ميدان التحرير في مسيرة مليونية يوم الجمعة الماضي دعما للشعب الفلسطيني.

 
ولم يختلف موقف الكثير من الشخصيات والرموز الإسلامية فيما يتعلق بمسيرة الزحف، فقد انتقد الداعية الإسلامي الشيخ صفوت حجازي من يتحدث عن الزحف المليونى إلى الحدود المصرية الفلسطينية، مؤكدا أن صاحب تلك الدعوة آثم لأنه لم يحن وقتها بعد في ظل ما تمر به مصر الآن بعد ثورة 25 يناير ، مشيرا إلى أن فلسطين لن تتحرر إلا بطريقة واحدة وهى الحرب، ولكن ليس الآن، لأن المصريين يبنون دولتهم الآن ويسعون لإعادتها".
 
كما رأى أن "إسرائيل" "لن تصمت إزاء التهديد فى الوقت الذى ننادى فيه أنها سلمية"، بحد قوله،وتساءل حجازي هل سيزحف معنا أهل سوريا وليبيا والأردن ولبنان والسعودية؟؟ ، في إشارة إلى أن الأوضاع العربية عموما غير مهيأة لذلك.
 
وعلى خطى حجازي انتقد الشيخ ياسر برهامي أبرز قادة الدعوة السلفية في الإسكندرية الدعوة لمسيرة الزحف معتبرا أنه "يحرج القوات المسلحة" ، فلو تم الاعتداء على المصريين فإنها تكون مدفوعة للرد على اعتداء "إسرائيل"، ولا تكون الحسابات في صالح الشعب المصري في هذه الظروف مع قيام القوات المسلحة بواجبات مضاعفة في حفظ الداخل بعد الثورة.
 
وأكد برهامي أنه مع المشاركة في الانتفاضة بوقفات احتجاجية والمطالبة برفع الحصار عن غزة، مع إرسال قافلة مساعدات لأهلها مع عدم استمرار الاعتصام في الميادين؛ حتى لا تتعطل مصالح المواطنين، والعمل والاقتصاد.
 
 
كما جاء موقف 150 عالماً بالدعوة الإسلامية والشريعة والقانون رافضا لدعوة الزحف واصفين إياها بالخيانة للأمة وسلب اختصاص الجيش، معتبرين أن تلك الدعوة تأتى لصالح جماعات تريد أن تتسيد باللعب على عواطف الجماهير.
 
ورأوا أن هذا التصرف من شباب متحمس وجماهير عاطفية غير معدة عسكريا ولا قتاليا ولا مجهزة جهاديا، مؤكدين أن تلك الدعاوى تخالف معايير الشريعة الإسلامية وأحكامها، مما ينم عن جهل بالشريعة أو عدوان عليها وخيانة للأمة.
 
وجاء الموقف الرافض لمسيرة الزحف المليوني من حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تحارب الاحتلال فرئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل أكد بنفسه أن المصريين عليهم أن يكملوا ثورتهم الآن وأن الحكومة الانتقالية في مصر لا يمكنها في المرحلة الراهنة تحمل عبء الدخول في صراع مباشر مع الكيان الصهيوني.
 
 
وكطبيعة الحال يؤيد اليساريون كل ما يرفضه الإسلاميون، حيث تمسكت قوى سياسية يسارية بموقفها الداعي إلى الزحف نحو الحدود المصرية مع فلسطين، معتبرين أنه "نجاح للثورة" حيث أن هذه المسيرة تأتى لتوجه الأنظار نحو السند الرئيسي لأعداء الثورة وهي "إسرائيل"، بحد قولهم.
 
ودون التفكير في الوقت الحرج الذي تمر به مصر، رأى اليساريون وكثير من القوى الليبرالية أن الثورة المصرية ولدت لتعيد الأمور إلى نصابها، وأن تحرير فلسطين سيبدأ من القاهرة.
 
وبين المؤيد والمعارض، يرى محللون أن مصر الآن تمر بفترة دقيقة في تاريخها لم تمر بها منذ عقود، والتي تتطلب تضافر كل الجهود من أجل حمايتها، مؤكدين أن فكرة الذهاب إلى رفح ستشتت كل القوى، فلا بد للجيش أن يحمي المصريين المتجهين إلى رفح، في حين لا بد من وجوده في مصر من أجل حماية الجبهة الداخلية للبلاد.
 
 
وذهب المحللون إلى التحذير من خطورة فكرة المسيرات الشعبية للزحف لإمكانية استغلالها من قبل سلطات الاحتلال وإجبار مصر على الدخول في مواجهة غير محسوبة قد تؤثر على الأمن القومي المصري.


13/6/1432 هـ
 
المصدر: إيمان الشرقاوي - موقع المسلم