تداعيات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

منذ 2011-05-18

أتابع باهتمام بالغ ومنذ اللحظات الأولى الدعوات للانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وعزم بعض شباب الدول العربية الخروج في مظاهرات سلمية، هدفها الرئيسي -كما أعلنوا- هو إعادة الوضع الفلسطيني لما كان عليه الحال قبل عام 1948م، وبمعنى مبسط "تحرير فلسطين" سلميًّا..



أتابع باهتمام بالغ ومنذ اللحظات الأولى الدعوات للانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وعزم بعض شباب الدول العربية الخروج في مظاهرات سلمية، هدفها الرئيسي -كما أعلنوا- هو إعادة الوضع الفلسطيني لما كان عليه الحال قبل عام 1948م، وبمعنى مبسط "تحرير فلسطين" سلميًّا.
 
تحدثت في هذا الشأن مع علماء أجلاء، ومع خبراء استراتيجيين، بعضهم قلق من تداعيات تلك الدعوات، والآخر يهوِّن من الحدث وتداعياته، ولكننا جميعًا اتفقنا على أن الأمر بحاجة إلى "ترشيد بالغ"، وإلا كان هناك مسرح دمويٌّ قد لا تحمد عقباه، وقد لا يكون هذا وقته تكتيكيًّا.
 
تكلم بعض العلماء علنًا من أجل الترشيد، وآثر البعض الآخر الصمت؛ حتى لا يعطي للموضوع زخمًا إعلاميًّا.

 
لكنني في هذا الصدد، وبعد إعلان شيخ المقاومين في مصر الشيخ حافظ سلامة -حفظه الله- عن قيادته للقافلة المصرية السلمية والإغاثية التي ستخرج من مصر باتجاه فلسطين، ضمن فعاليات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، أجدني مضطرًّا لطرح جملة من التساؤلات الحيوية وهي:
 
أولاً: في ظل ثورة 25 يناير السلمية في مصر، ومثيلاتها في الدول العربية الأخرى، وقدرتها على استيعاب الغضب الشعبي المكتوم من فساد الحقبة المنصرمة، ما الذي يضمن لنا ألا تكون ثورة 15 مايو السلميَّة المرتقبة بمنزلة وعاء استيعابي لغضب عربي فعليّ من الكيان الصهيوني، ممتد منذ عقود طويلة؟
 
وعليه، فما الذي يضمن ألا ينسحب على ثورة 15 مايو السلمية ما انسحب على ثورة 25 يناير السلمية من حيث الحشد والكم البشري المشارك، وكذلك التطورات المتتابعة؟ خاصة أن سقوط مبارك، ومن قبله بن علي، قد رفع من سقف طموح التغيير لدى الشباب العربي، وما كان يصور على أنه مستحيلاً بالأمس، صار اليوم ممكنًا واقعًا، والجميع يستحضر في ذهنه قصة "الحمار" الذي طرده الصبي من المزرعة كلها بعصا صغيرة، بعد أن بذل كل أبناء القرية كافة سبل التودُّد ليترك لهم "الحمار" جزءًا من المزرعة.

 
ثانيًا: الكيان الصهيوني يراقب بتوتر شديد للغاية هذه الثورة السلمية المرتقبة، ومن ورائه القوات الأوربية المتمركزة في ليبيا في عملية عسكرية يمكن حسمها في يومٍ واحد، لكن هناك تسويف عسكري، قد يبرر جانب منه في مراقبة وضع المنطقة في ظل ثورة 15 مايو السلمية المرتقبة، ومن ورائه أيضًا الولايات المتحدة الأمريكية التي أفرغت أجندتها العسكرية الراهنة بإعلانها رواية مقتل بن لادن، وصارت مهيأة الآن لأية تداعيات عسكرية جديدة.
 
في ظل كل هذه المتابعات العسكرية شديدة الحساسية ماذا سيكون الموقف الرسمي والشعبي العربي لو تعامل الكيان الصهيوني مع عناصر ثورة 15 مايو السلمية المرتقبة بنفس طريقة التعامل الدموي للأسد والقذافي مع شعبيهما؟ وكيف ستبرر أوربا وأمريكا الاعتداء المحتمل على المتظاهرين سلميًّا من عناصر ثورة 15 مايو السلمية المرتقبة في ظل التدخل الغربي العسكري في ليبيا لحماية المتظاهرين سلميًّا؟
 
العقل والمنطق يقولان: إن أمريكا وأوربا ينبغي عليهما أن يكونا في صف المتظاهرين سلميًّا، بحكم موقفهم الراهن في حالة ليبيا، فهل سينتصرون لمبادئهم الديمقراطية، أم أن هناك حسابات أخرى؟

 
ثالثًا: أحداث ثورة 15 مايو السلمية المقبلة وما قد يصاحبها من اعتداءات دموية صهيونية، إذا فرضت نفسها على الجيوش العربية ودفعتها للدخول في حرب مفتوحة وممتدة مع الكيان الصهيوني، هل واقع الشعوب العربية حينها مهيأ لدخول مثل هذه الحرب؟ هل مثلاً لدى الشعوب العربية استعداد لتسوية الخلافات الداخلية والبذل والإيثار وتكوين تجمعات شعبية تتقاسم فيها الأدوار، وتتولى معينات الحرب من تشييد لمخابئ الغارات في القرى والأحياء، جمع للتبرعات، تنظيم للقوافل الطبية والإغاثية، حفظ للأمن الداخلي، وصيانة الجبهة الداخلية، مع رفع للروح المعنوية واللياقة البدنية لكافة أطياف المجتمع؟

 
رابعًا: هل يستحضر مشاركو ثورة 15 مايو السلمية في أذهانهم أن عقيدة الشيعة في المسجد الأقصى أنه في السماء الرابعة، وأنه ليست هناك قضية عقدية للشيعة في فلسطين كما توضح مراجعهم المعتمدة؟! وعليه فلا ينبغي للشباب التعويل على إيران أو حزب الله أو نظام الأسد العلوي القاتل لشعبه في التدخل العسكري لحماية وجوه وظهور حشود ثورة 15 مايو السلمية من رصاص وصواريخ الكيان الصهيوني.

 
إنني أتوقع أن يكون هناك زخمٌ إعلامي هذا الأسبوع بشأن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، سيعقبه أسبوع أكثر سخونة قد يمتد لهيب هذه السخونة لعدة أشهر أو لسنوات، قد يكتب علينا القتال في هذه الأيام وهو كره لنا، وعسى أن نكره شيئًا وهو خير لنا، وقد يكفينا الله شر القتال، ويُطفأ اللهيب إلى حين، وفي كلٍّ نسأل الله أن يقدر لنا الخير حيثما كان.


الخميس، 12 أيار/مايو 2011  م
 
المصدر: الهيثم زعفان - موقع المسلم